جهاد الخازن
فتحت تلفزيون «بي بي سي»، الأخبار العالمية، اليوم (أكتب ظهر الثلثاء) وكانت الساعة 8:20 في الصباح ووجدت أمامي شابتين تتحدثان عن معتقل أوشفيتز في الذكرى السبعين لتحريره.
حاولت أن أبحث عن أخبار عربية في محطات أخرى، ولم أجد، وعدت إلى «بي بي سي»، وكانت هناك نساء مسنّات وأوشفيتز مرة أخرى، ثم رجال مسنّون بعضهم يبكي ويتحدث عن فقد أسرته. وعرض واحد منهم رقماً طمسته الأيام على ساعده.
أوشفيتز قبل 70 سنة، وهناك محرقة يومية للفلسطينيين في بلادهم ترتكبها حكومة اسرائيلية بين أعضائها مَنْ يزعم أن أهله قضوا في المحرقة النازية. تلك المحرقة استمرت ست سنوات أو نحوها، والمحرقة الفلسطينية متواصلة منذ 66 سنة، وقد دخلنا السنة السابعة والستين من دون توقف.
كل يوم هناك قتيل فلسطيني برصاص الاحتلال، وإذا كان الموضوع إبادة أسر بكاملها فهناك أسر فلسطينية قضت في حرب اسرائيل على قطاع غزة في الصيف الماضي.
لعلي من قلة من العرب قالت دائماً إن ستة ملايين يهودي قضوا في المحرقة النازية. هو الرقم المتداوَل، وليس عندي ما يدحضه، فأقبله وأهاجم مَنْ ينكره كالمؤرخ البريطاني التحريفي ديفيد إيرفنغ.
التاريخ الصحيح الذي لا يمكن تجاوزه هو أن الغرب المسيحي مارس اللاساميّة ضد اليهود على مدى قرون وهذه انتهت بالمحرقة النازية، فدفع الفلسطينيون من أرواحهم وأرضهم ثمن جرائم الآخرين. عندما خسر العرب الأندلس هرب اليهود معهم إلى شمال افريقيا من بطش محاكم التفتيش، والذين فرّوا شمالاً انتهوا بإنكار دينهم بين المسيحيين الأوروبيين حتى نسوه، وهم ما يُعرف باسم اليهود «المارانو» الذين أرغِموا على اعتناق المسيحية.
هناك متحف، أو متاحف، عن أوشفيتز. لماذا لا أرى متحفاً عن 517 طفلاً قتلتهم حكومة بنيامين نتايناهو في قطاع غزة على مدى عشرة أيام فقط؟ خمسون طفلاً قتيلاً في اليوم هي نسبة نازية بامتياز، لكن لا أحد يذكر الأهل المفجوعين بأطفالهم، بل لا أحد يذكر أسماء الأطفال الضحايا. مجرد أرقام كذلك الرقم المطبوع على ذراع اليهودي الذي نجا من الموت في أوشفيتز.
أتهم الغرب باستغلال ذكرى أوشفيتز لتحويل الأنظار عن جرائم حكومة اسرائيل. وربما لاحظ القارىء أنني لا أتهم الإسرائيليين جميعاً أو يهود العالم بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين، وإنما أتهم حكومة اسرائيلية أراها نازية جديدة فاشستية محتلة وهي عارٌ على يهود العالم وكل الناجين من المحرقة النازية.
اليوم أقرأ دعوات لرؤساء جمعيات يهودية تطلب سنّ قوانين ضد اللاساميّة، وهناك كتّاب يهود وغير يهود يزعمون أن اليهودي أصبح يخاف على نفسه في بريطانيا أو فرنسا أو غيرهما. هناك حملات لاساميّة ضد المسلمين في اوروبا، إلا أن الأخبار عنها محدودة، فالتركيز على اللاساميّة ضد اليهود، وهذا مع العلم أن الحملة على المسلمين الأوروبيين قائمة واللاساميّة الجديدة ضد اليهود مجرد احتمال فلم يتظاهر أوروبيون في ألمانيا، أو غيرها، مطالبين بوقف هجرة اليهود أو طردهم من أوروبا.
نحن أمام فجور إعلامي وراءه بعض أنصار حكومة اسرائيل. والضجة التي ثارت بعد الإرهاب في فرنسا سببها تحويل الأنظار عن جرائم حكومة نتانياهو، فقد قتِل في فرنسا 17 شخصاً بينهم أربعة يهود ومُسلِمان وأفترض أن البقية من المسيحيين فلا نسمع إلا عن القتلى اليهود، أما الآخرون فلا قيمة لهم على ما يبدو.