جهاد الخازن
استضاف الأمير رينيه، أمير موناكو، الأمير خالد بن سلطان ذات يوم في بداية التسعينات لحضور سباق «الغران بري» أو «فورمولا 1»، ورافقنا الأمير خالد، وجلسنا في شقة على خط البداية والنهاية، وسمعنا الأميرين يتحدثان عن حرب تحرير الكويت، وتناولنا الغداء على سطح المبنى قبل بدء السباق وكان يوماً لا يُنسى اعتقدت أنه لن يتكرر.
لعله رضا الوالدين، فالبحرين بدأت تستضيف أهم سباق سيارات في العالم منذ سنة 2004، ودعاني الملك حمد بن عيسى والعائلة إلى ذلك السباق، وحضرت سباقاً آخر مع ابنتي وهي رفيقتي في الحماسة لـ «الغران بري»، وكنت في البحرين مرة أخرى لحضور السباق في نهاية الأسبوع بضيافة كريمة من ولي العهد الأمير سلمان بن حمد.
اليوم أتجاوز المعارضة الفارسية الهوى، وجماعات حقوق الإنسان الساذجة إلى درجة الغباء، والسياسة كلها، لأبقى مع سباق السيارات فقد جرى في جو هادئ تماماً، ولم أرَ ما ينغص على امتداد ثلاثة أيام بين العاصمة المنامة والصخير حيث حلبة السباق. وطلبت من السائق أن نمر ببعض القرى على الطريق وكانت هادئة وزرت المحرق وعدت في أمن وأمان.
سباق السيارات، مثل أي اجتماع دولي، يوفر فرصة للمشارك مثلي لمقابلة أصدقاء وزملاء، ولم يخِب أملي هذه السنة ولكن لا أسجل أسماء لأن الصفحة ستضيق بها، وإنما أقول إن الأمير سلمان تجوَّل بين الضيوف، وسلّم على الجميع تقريباً. وصحف البحرين، في ثلاثة أيام، كان كل مانشيت لها عن السباق.
طبعاً «الحلو ما يكملش»، وكنت أريد أن أرى ابن ابن عمي، فؤاد فكتور فؤاد فضيل الخازن، إلا أنه غاب، وأعرف أن لشركة العائلة نشاطاً في السعودية فلعله كان هناك. أيضاً طلبت الصديق العزيز القديم والدائم أكرم مكناس، شقيق الزميلة بارعة، ولم أجده هذه المرة، كما أنني لم أجده عندما توقفت في البحرين يوماً قبل شهر، وأنا في طريق العودة إلى لندن من الكويت بعد مؤتمر الدول المانحة للاجئين السوريين.
أين أكرم؟ الاحتمالات كثيرة، ومنها أن يكون هاجر إلى البرازيل، أو أنه وقد أصبح خال زوجة جورج كلوني ارتفع بمستوى أصدقائه إلى النجوم وأصحاب البنوك، أو أنه أدرك أن بين أصدقائه مَنْ سيحضر سباق السيارات فهرب من «واجب» ضيافتهم، أو أنه لم يدفع فاتورة «الموبايل».
كل هذه الاحتمالات وغيرها يبقى أهون مما لاقى صديقي طوني، الذي رافقه النحس صغيراً وكبيراً، في أول سباق «فورمولا 1» حضرناه في موناكو بعد أن شردتنا الحرب عن لبنان. طوني سجلت أخبار نحسه في هذه الزاوية يوماً، وهو في موناكو استيقظ مبكراً واشترى تذكرة لرؤية السباق من تلة قرب قصر الأمير تكشف معظم الحلبة إلا أنها بعيدة. هو أصرَّ على أننا لن نجد تذاكر جيدة، إلا أنني وصديقاً آخر اشترينا تذكرتين بالسعر الرسمي من إيطالي لم يحضر أصدقاؤه، وجلسنا في مقعدين جيدين أمام الميناء. بعد السباق رأينا طوني وكان «مطعوجاً» وسألته ماذا حدث ورفض في البداية شرح سبب «حَرْدَبَتِه» إلا أنه بعد إصرار قال إنه جلس في ظل شجرة مستنداً إلى جذعها، وكان على غصن فوقه إيطالي سقط عليه وكاد أن يكسر رقبته.
هذه الأمور لا تصيب أحداً سوى طوني، أما أنا والأصدقاء فقد تابعنا في البحرين سباقاً جميلاً من برج دائري في وسط الحلبة يمكّن المتفرج من رؤية معظم الحلبة. وكان بعض الحاضرين متحمساً إلى درجة أن يركض حول الشرفة لمتابعة السيارات، أما أنا فجلست بانتظار أن تعود أمامي كل دقيقة أو نحوها.
تسع عشرة دولة تستضيف سباق «الفورمولا 1» بدءاً بأستراليا وانتهاء بالإمارات العربية المتحدة. وقد حضرت السباق في موناكو وبريطانيا، ومرة في ألمانيا، ومرات في البحرين، وأنصح كل مَنْ يقدر أن يخصص نهاية أسبوع له في البحرين. هو لن يندم فالسباق يوفر له فرصة أن ينسى إلى حين الواقع العربي.