عيون وآذان دفاعاً عن المشيب

عيون وآذان (دفاعاً عن المشيب)

عيون وآذان (دفاعاً عن المشيب)

 العرب اليوم -

عيون وآذان دفاعاً عن المشيب

جهاد الخازن

إذا كان لا يكفيني أنني على خصام مع المعارضة في بلد والحكومة في بلد آخر، ومع الحكومة والمعارضة كليهما في بلد ثالث، فإنني أفتح اليوم على نفسي جبهة جديدة مفضلاً الشيب على الشباب. الشاعر القديم قال: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي / فأعرضن عني بالخدود النواضر. وكنت حفظت هذا البيت للشاهد النحوي فيه فالكلمتان الأوليان من نوع لغة «أكلوني البراغيث»، وهذه ليست خطأ وإنما يجوز فيها القولان بحسب رأي بعض النحاة، والاستعمال الأشهر المفضَّل «أكلتني البراغيث» و «رأت الغواني». أترك سيبويه في جَدَث الرحمة، وأعود إلى الشباب والشيّاب، فالواحد منا إذا أسنَّ من دون شيب فالسبب أن شعر رأسه تساقط كله، وأن صلعته تنافس طابة «سنوكر» في اللمعان، ما يُعفيه من شراء مشط أو شامبو للحمام، أو الحلاقة أكثر من مرة في السنة قبل العيد الكبير. إذا تذكر الكبير موعد العيد يُشكر ويُمدح، وإذا نسي يُعذر. وهو يستطيع أن يقول أنه نسي أي مناسبة، ويُعتبر ذلك منه عذراً كافياً. أهم مما سبق أن الكبير يدخل الباص، ويقوم شاب أو شابة ليجلس مكانه أو مكانها. والمسنّ يستطيع أن يخاطب أي امرأة بكلمة «حبيبتي» من دون أن يتّهم بالتحرش. طبعاً إذا وقعت جريمة في الحي فالشرطة لن تستجوب شيخاً تجاوز السبعين، وهذا الشيخ أصبح بمأمن من التجنيد الإجباري، أو المشاركة في القتال إذا وقعت حرب مع إيران. بل أن المسنّ لا يعود مضطراً إلى اللبس «على الموضة»، وهو إذا انتظر فثيابه القديمة ستعود موضتها ولا يحتاج إلى شراء جديد. الرجل كبر وتقاعد وهو إذا نام طويلاً لا يستيقظ فزعاً خشية أن يتأخر عن موعد بدء عمله. هو يستطيع أن يستيقظ مبكراً إذا أراد أو ينام إلى بعد الظهر إذا كان هناك مطر مثلاً. وهو لم يعد بحاجة إلى ساعة منبّه أو إلى ساعة أصلاً فوقته ملك يديه. هناك من الوقت المتوافر للكبير ما يستطيع معه أن يتابع أسخف برامج التلفزيون. بل أن المسنّ يستطيع أن يبدأ التدخين إذا لم يكن دخَّن من قبل، فالسجاير لن تجد الوقت الكافي لتؤذي صحته. إذا وضع الكبير كرسياً تحت «الدوش» فلا أحد يسخر منه. بل هو يلقى الاحترام كيفما سار، وكأنه من نوع البنايات الأثرية في المدينة. وهو طبعاً يستطيع أن يُفاخر بأنه أكبر سناً من رئيس البلد. وأستطيع أن أمضي إلى ما لا نهاية إلا أنني أعتقد أنني لو قدمت المرافعة السابقة في محكمة لأيّدني القاضي، وهو مسنّ أصلاً، فأكتفي بأنها مرافعتي للقول إن الشيخوخة تعني أن الجنازة مكان مناسب ليعرف الشيخ مَنْ بقي من أصدقائه حياً، مع إدراكه أن أعداءه ماتوا جميعاً. أبو العلاء قال: «روائح الجنة في الشباب»، وهذا خطأ واضح فلو أن الإنسان سيرتكب عبر حياته معصية تقوده إلى السعير فروائحها ستكون في الشباب لا في الشيب. هناك المدرسة وفروض مدرسية ليلية وشهادة علامات آخر الفصل لا يريد أن يراها أبوه. ثم هناك القلق من أنه غير مؤهل ليصبح طبيباً أو مهندساً، وأنه سينتهي في كلية الآداب ويتخرّج معلماً بمئتي ريال في الشهر، والفكرة هذه وحدها تكفي ليُصاب الطالب بفرحة مبكرة. طبعاً الطالب هذا يجد أن البنت التي يريدها لا تريده. وأن البنت التي تريده لا يريدها. وهناك علامات سمنة مبكرة وحب شباب، حتى أن البنت التي كانت تريده تغير رأيها. طبعاً هو يحتاج إلى إذن للخروج من البيت، وإذن آخر للبقاء خارجاً حتى ساعة متأخرة. ويعده أبوه بإجازة مع العائلة وهو يريد إجازة من العائلة. وقد نعلم أن أي شيء ثقيل الوزن أو قذر في البيت واجبه أن يحمله بدل الأبوين والأخوات. لا أحد يصدقه عندما يقول أن مادة الجبر مفيدة فقط لتوفير وظيفة لأستاذ الرياضيات، وهذا يتصرف مع الطالب وكأنه مجرم حرب إدراكاً منه أن الطالب لا يحب المادة التي يُدرّسها. ختاماً أقول: «الحال من بعضه» وسمعة الشباب غير مستحقة، فالشاب يستطيع ولا يقدر، والشيخ يقدر ولا يستطيع. نقلا عن  جريدة الحياة

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيون وآذان دفاعاً عن المشيب عيون وآذان دفاعاً عن المشيب



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab