جهاد الخازن
ماذا يُسعِد الناس؟ الناس أجناس ولكل منا أولوياته في ما يسعده، فإذا تجاوزت الأسرة والأهل والأصدقاء، أجد أن ما يسعدني قيام نظام ديموقراطي في كل بلد عربي ودولة فلسطينية مستقلة.
أترك المستحيل لأتناول ما باليَد، فرئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون يريد أن تركز حكومته على ما يهم المواطن فعلاً لتوفير أسباب السعادة له. أعتقد أنه لو استقال كاميرون لسعد نصف البريطانيين برحيله، ولو خسر العمّال الانتخابات من دون منافس لسعد النصف الآخر.
غير أن ما سبق مستحيل آخر فأعود الى أرض الواقع (وهو وقع في بلادنا وكسر رجله)، وأشير الى دراسة أجرتها الحكومة البريطانية عن 274 وظيفة لتعرف أيّها يأتي بالسعادة. كانت النتيجة مفاجئة لي، ففي رأس القائمة الكاهن (أي ما يعادل الشيخ في بلادنا) وفي أسفلها مدير «بار» للمشروبات.
كيف هذا؟ الكاهن يذكِّر المصلين باليوم الآخر، وبوجوب أن يكونوا مواطنين صالحين يعملون الخير، والبار يقصده الزبائن ليشربوا وينسوا همومهم فيخرجون منه وقد غلبهم السكر وخسروا عقولهم الى حين.
بين الأول والأخير ما يتجاوز المنطق وقلة العقل، فالوظيفة الثانية مدير، وهذا مفهوم لأن الأجر عالٍ، ولكن فلاح في المرتبة الثامنة خيار غير مفهوم وهو يجمع العمل المضني وقلة الدخل. أكثر منطقاً أن النهاية تضم وظائف من نوع عامل في «بار»، أو محصِّل ديون، أو عامل بناء، قبل أن تنهي بمالك «بار».
أغرب من «أسعد» الوظائف و «أتعسها» دراسة عن أسعد الدول على الانترنت فهي تبدأ بالبرازيل وتكمل مع نيكاراغوا ثم كولومبيا وبوليفيا وكوستاريكا، وهكذا حتى تشيلي في المركز العشرين. إذا صدقت القائمة فأسعد شعوب الأرض في اميركا اللاتينية، ولا أفهم سبباً، فهي ليست أكثر الشعوب ثروة أو ديموقراطية.
كانت هناك قائمة أخرى للسعادة لم أستطع الحصول عليها كاملة ولكن وجدت آخر 20 دولة، والقائمة ضمّت من العرب اليمن والعراق والسودان.
بعد هذا وذاك هناك منظمة بريطانية اسمها «عمل من أجل السعادة» واسمها يناقض هدفها، فأنا والقارئ نريد أن نسعد من دون عمل. كنت أتمنى لو كنت عاطلاً بالوراثة، وخدم وحشم ومسؤولون حكوميون يعملون لإسعادي، ولكن ما باليد حيلة. ما باليد هو أن أسعد بالمشي مع ابنتي حول البيت. بل انني قرأت في «نيويورك تايمز» قبل أيام مقالاً طويلاً عن «السعادة وعدم الرضا» فهمت منه أن هناك معهداً للفلاسفة باسم «ستون»، والسعادة جزء من إهتمامهم.
وأخشى أن يضيق بنا المكان فأقول إن سبب عودتي الى موضوع السعادة اليوم هو أن عدداً من الزوجات العربيات، بينهن زوجتي، سافرن في إجازة الى بوتان، وهي مملكة في جبال الهملايا اخترعت مؤشراً للسعادة، فبدل الدخل القومي الاجمالي إختارت السعادة القومية الاجمالية.
لن أدخل في التفاصيل فهي كثيرة ومملة ولا تأتي بالسعادة المرجوّة لعربي، ولكن أقول إن الزوجات جميعاً قررن أن شعب بوتان، وتعداده دون المليون، سعيد بالقناعة ولا أقول الفقر. وزدن أنهن وجدن سعادة أهل البلد معدية فقد قضين أياماً سعيدة بينهم، رغم أن هدف الرحلة كان المشي كرياضة في جبال صخرية شاهقة.
لكل إمرئ من دهره ما تعودا، كما قال المتنبي. وإذا كانت عادة سيف الدولة الطعن في العدا فإن عادتي والقارئ الطعن في طعام شهي، من دون أن تؤدي هذه العادة الى سعادة.
أرجو للقارئ أياماً سعيدة مديدة مع إدراكي أن هذا صعب في عالمنا العربي السعيد بجهله، فلا أنصح القارئ أن يغلق عقله ليسعد، وإنما أقول له: الصبر طيب.