جهاد الخازن
منذ سنوات وأنا أحضر في الشارقة معرض الكتاب، فهو بين أكبرها في الدول العربية والعالم، وأذهب للمشاركة في مؤتمرات أخرى مثل «الاتصال الحكومي»، وعادة ما تكون هناك عروض فنية مرافقة. هذه المرة جاء الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، الى لندن وألقى خطاب إفتتاح معرض الكتاب في لندن الذي شاركت فيه بلدان عربية عدة بعارضٍ من بلد أو 12 عارضاً من بلد آخر مثل الامارات العربية المتحدة.
الشيخ سلطان يحمل أيضاً لقب دكتور، فقد تخرج في جامعة اكستر بدكتوراة في فلسفة التاريخ بامتياز، وأتبعها بدكتوراة من جامعة درام في الجغرافيا السياسية للخليج، كما أنه يحمل بضع عشرة دكتوراة فخرية. هو مثقف يركز على التعليم ويراه طريق المستقبل للأمة كلها، ويهتم بالثقافة فهي تمثل تحصيله الجامعي وهوايته.
لا بد أنه رضا الوالدين، فمعرض الكتاب في لندن استضافه مركز اولمبيا، وهو على بُعد 50 متراً من مبنى «الحياة»، فلم أُضطر الى السفر بالطائرة 15 ساعة بين ذهاب وإياب، وإنما مشيت الى المعرض، وكانت لي وآخرون جلسة حديث مع الشيخ الدكتور تعلمت منها أشياء جديدة عنه، فهو وحدوي عروبي من أيام دراسته في مصر قبل أن يكمل في بريطانيا. وهو تأثر بفكر السياسي الأردني عبدالله الريماوي الذي شغل منصب رئيس وزراء الأردن حوالي ستة أشهر في خمسينات القرن الماضي، ثم انتقل الى مصر مؤيداً الرئيس جمال عبدالناصر.
قضيت العمر وحدوياً عروبياً «من منازلهم»، فلم يكن لي نشاط حزبي من أي نوع، ووجدت أنني أتفق مع الشيخ سلطان في أمور كثيرة باستثناء واحد، فهو متفائل يتوقع أن تنهض الأمّة من كبوتها، وأن تسير في طريق التقدم والخير، مركزاً على أهمية التعليم إذا كان للأمة أن تنجح.
لست متفائلاً البتة، فقد قضت طموحاتي «العروبية» واحداً تلو الآخر أمام عيني حتى لم يبقَ منها اليوم شيء سوى الذكرى. مع ذلك أتمنى أن يكون حاكم الشارقة وكل المتفائلين مثله على صواب، وأن أكون على خطأ.
هو متفائل من دون أن يكون حالماً، فقد وجدت أنه لا يعطي دول الخليج دور القيادة في النهضة العربية التي يتوقعها، وإنما يرشح مصر لهذا الدور. وهو متفائل كثيراً بقدرات الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويرى أن مصر سائرة في الطريق الصحيح.
ضمَّت الجلسة مع الشيخ سلطان زملاء من لندن وأصدقاء من الشارقة أراهم في المؤتمرات، وكان هناك زوار من المشاركين، ثم تجولنا مع الشيخ سلطان في المعرض الهائل الذي يضم حوالي 1600 مشارك. وتوقفنا في الجناح السعودي، وطلبتُ كتابين أحدهما يضم خطابات الملك عبدالله، والآخر خطابات «الأمير» سلمان، فقد صدر قبل أن يصبح ملكاً. وقيل لي أن آتي في اليوم الأخير وسأهدى الكتابين وما أريد من كتب أخرى. مع ذلك خرجت بكتاب صغير عنوانه «مشروع الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمحافظة على الصقور». وكان الأمير سلطان، رحمه الله، حدثني يوماً عن محمية طبيعية في السعودية تحمل إسمه، وعرض عليّ أن أزورها، وقلت إنني لن أزورها إلا معه، وخذلني الحظ.
قبل أن أنسى وجدت أن للشيخ سلطان بعض القصائد غير المنشورة، وسمعت منه أبياتاً أذكر منها: غدّار يا زمن غدّار، أوهمتني الجنة، ورميتني في النار. واقترحت على الشيخ الدكتور أن يجمع قصائده في كتاب، إلا أنه لم يبدِ إهتماماً كبيراً بها، كما في كتبه العلمية والتاريخية. وهو أهداني كتابه الأخير (بالانكليزية) «الثقافة والتعليم والتغيير 1987-2014»، فلا بد أن أراجعه للقراء في المستقبل القريب كما فعلت مع كتب سابقة للشيخ سلطان.