توقفتُ يوماً في الكويت، وأنا أعتزم أن أغادرها إلى البحرين، إلا أنني اضطررت للعودة إلى لندن، وراجعت حساب الأرباح والخسائر، ووجدت أن الربح أكثر، ولا بد أن يزيد عندما أزور المنامة بعد أيام.
في الكويت، شاركت في اجتماع أمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وحضرت مهرجان ربيع الشعر العربي في موسمه التاسع، وكان عن الشاعرَيْن بدر شاكر السيّاب وسليمان الجار الله.
الشاعر عبدالعزيز البابطين (أبو سعود) سخي مع الشعر والشعراء، وعنده خطة محكمة لتستمر المؤسسة بعده. هو افتتح المهرجان وتلاه الشيخ سلمان الحمود الصباح، وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب.
الأمناء وضعوا في الصباح خطة للعمل هذه السنة وبحثوا في مواضيع للتنفيذ، واختاروا مكان انعقاد المؤتمر العام المقبل. في المساء، زرت الشيخ سلمان في مكتبه وسألته عن أهم القضايا المتداوَلة، وكان كريماً في الجواب.
هو حدّثني عن الانتخابات النيابية المقبلة في الكويت، في صيف 2017، والقضايا الأساسية التي سيرثها النواب الجدد والعائدون. أرجو ألا يرى المجلس الجديد نواباً من نوع عبدالحميد الدشتي، فقد أساء إلى بلده وإلى نفسه وسيدفع الثمن.
الشيخ سلمان قال لي إن الحكومة انتهت من وضع خطة اقتصادية للمستقبل عندما ينضب النفط، وسيناقشها البرلمان خلال أيام. الخطة تشمل رفع بعض الدعم عن الكهرباء والماء والوقود، كما أنها ستطرح بعض المؤسسات العامة للتخصيص، أملاً بأن يتحسن أداؤها. أيضاً هناك تركيز على الاستثمارات الخارجية، فالكويت تملك الكثير منها في الشرق والغرب. والمهم أن تتنوع مصادر الدخل لضمان رفاه المواطن الكويتي في المستقبل.
الشيخ سلمان أعطاني عناوين ودخلت معه في التفاصيل. أشعر واثقاً بأن الكويت تستطيع مواجهة المستقبل بثقة. الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح حكيم حكماء الخليج، وولي عهده والوزراء كلهم يملكون الخبرة المطلوبة لجعل الدخل النفطي جزءاً من الموازنة السنوية لا الموازنة كلها.
أعود إلى مهرجان الشعر، فقد كنت دائماً أعتبر بدر شاكر السيّاب بين أبرز شعرائنا في القرن العشرين، وكنت أفكر وأنا أتابع المتحدثين ماذا كان فعل لو أن المرض لم يهدّ جسده فيموت وهو في الأربعين.
أتجاوز جيكور حيث ولِد والماء الذي يرِد في قصائد عدة له وأختار:
واحسرتاه فلن أعود إلى العراق/ وهل يعود/ مَنْ كان تعوزه النقود؟ وكيف تدَّخر النقود/ وأنت تأكل إذ تجوع/ وأنت تنفق ما يجود به الكرام على الطعام/ لتَبْكيَنَّ على العراق/ فما لديك سوى الدموع/ وسوى انتظارك دون جدوى للرياح وللقلوع.
عندي أسباب أخرى للبكاء على العراق، لكن أختار من قصيدة له قبل أشهر من وفاته سنة 1964:
أحبيني إذا أدرجت في كفني... أحبيني/ ستبقى حين يبلى كل وجهي كل أضلاعي/ وتأكل قلبي الديدان تشربه إلى القاع/ قصائد أكتبها لأجلك في دواويني/ أحبيها تحبيني.
أنتقل إلى سليمان الجار الله، فله شعر وطني، وإخوانيات ومداعبات، إلا أنني أحببت دائماً الغزل في شعره، وأختار: يقولون لي صِفْ لوعة الحب والنوى/ فقلت لهم هاكم جوابي شافيا/ صحبت الهوى دهرا وذقت عذابه/ كواني بنار الشوق حتى برانيا/ فيا لائمي جرِّب لظى الحب برهة/ وذق مثل ما ذقنا لتلقى الدواهيا/ ستسكت لن تدلي بأي ملامة/ وتنظم في ليلاك أحلى القوافيا.
بقيت يوماً وبعض يوم في الكويت لأنسى هموم السياسة العربية. وأزور البحرين خلال أيام.