اتصل بي صديق ميسور وقال لي إنه لم يعرف النوم الليلة الماضية فقد عرض التلفزيون مشاهد مؤلمة عن المأساة السورية المستمرة والمتفاقمة ورأى اللاجئين من الأطفال يرتجفون وسط الثلوج.
قال الصديق إنه يريد أن يساعد ضمن نطاق قدرته أسراً من اللاجئين السوريين تضم أرامل وأطفالاً، إلا أنه يريد أن يسلم المال بنفسه إلى هذه الأسر، لأنه يخشى أن تنتهي في جيوب بعض المتاجرين بالمأساة.
تلك الليلة لم أنم بدوري، فقد رأيت على التلفزيون آثار العاصفة «زينة»، ولم تكن زينة أبداً فقد ضربت مناطق الشرق الأوسط وصبّت جام غضبها على اللاجئين السوريين في بلادهم، وأيضاً في لبنان وسورية وتركيا.
كأنه لا يكفي السوريين بطش النظام وبراميله المتفجرة وسراب المعارضة الوطنية وجرائم الجماعات الإرهابية حتى يأتي الثلج. وأقرأ عن موت ثلاث بنات ورجل مسنّ في مكان من سورية وموت طفلة بنت يومين في مكان آخر، وعن موت صغيرَيْن في لبنان، وآخرين في تركيا.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقول إنها وثـّقت منذ آذار (مارس) 2011 موت 27 شخصاً، بينهم 16 طفلاً وثلاث نساء، بسبب البرد داخل سورية من دمشق حتى ريف حلب، وفي مخيمات اللجوء حولها، وربما مات مئات في مخيم اليرموك جوعاً أو لنقص الأدوية.
السوري يموت جوعاً؟ قبل ألفي سنة كانت سورية «سلة غلال» الدولة الرومانية، كانت تُطعِم العالم المعروف، والآن السوري واقع بين سندان حكم يستقوي على شعبه ومطرقة معارضة إرهابية، ويجوع بعد أن تخلى عنه القريب والغريب. بل هو أصبح بحاجة إلى «فيزا» ليدخل إلى لبنان. كنت أعتقد أننا أهل وأقارب، وأن السوري سيسمع في لبنان: إن ما وسعتكم الدور وسعتكم الصدور. بدل ذلك نُصِح السوري بالصبر، وقد سمعت: الصبر آخرته القبر.
اتصلت بالزميل إبراهيم حميدي، رئيس مكتب «الحياة» في دمشق، وكان في بيروت ونقلت إليه رغبة الصديق الذي يريد مساعدة أسر سورية لاجئة وشرطه أن تكون مساعدته مباشرة.
إبراهيم أرسل إليّ أسماء جمعيات خيرية يثق بها تهتم باللاجئين السوريين نقلتها إلى الصديق. وكان بينها «الفابيت» للتعليم البديل وأيضاً منظمة «بسمة وزيتونة».
عدت إلى إبراهيم في اليوم التالي وقلت له إنني أستطيع أن أخصص ألف دولار في الشهر من مرتبي لأساعد أسرتين من اللاجئين السوريين في لبنان، أرملتَيْن وأبناءهما، وأضمن أن تستمر المساعدة ستة أشهر، وأرجّح أن أستطيع تمديدها حتى نهاية 2015.
هو عاد إليّ وقال إن المبلغ الذي أريد تقديمه يكفي لإعالة أربع أسر، كما فهم من جماعات الإغاثة المختصة، وقبلتُ وطلبت أسماء.
كان أخي الصغير في لندن، حيث توقف في طريق عودته من زيارة أخينا الأوسط في الولايات المتحدة، وأعطيته المبلغ الذي التزمت بتقديمه لتغطية الأشهر الستة الأولى من السنة، وقلت له إن شرطي هو أن يقدّم المال بنفسه إلى الأسر المحتاجة.
أطالب القارئ القادر، القادر فقط، أن يفعل ما فعل الصديق وما فعلت أنا، فلا بد أن كثيرين من القراء يستطيعون تخصيص 250 دولاراً في الشهر أو 500 دولار أو أكثر لأهلنا من السوريين المنكوبين.
اليوم تتصدر سورية قائمة اللاجئين في العالم، بعد أن أزاحت أفغانستان من هذا المركز الذي شغلته سنوات، فهناك 13 مليون لاجئ سوري بحسب أرقام مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
وكلمة أخيرة، نحن في «الحياة» لا نستطيع تقبّل أي مساعدة للمشردين، وليس عندنا جهاز لتحويل المساعدة، فأرجو أن يتصل القارئ القادر مباشرة بجمعيات الإغاثة، ولا أقول سوى رحمتك يا رب.