جهاد الخازن
انتظر الإخوان المسلمون مئة سنة ليصلوا إلى الحكم في مصر، على ظهر شباب الثورة، وسينتظرون مئة سنة أخرى قبل أن يعودوا إلى الحكم، وهذا إذا عادوا.
بقي أن تقتنع الجماعة بأنها خرجت ولن تعود بعد سنة كارثية لا أحتاج أن أسجل تفاصيلها فكل مصري عاشها وذاق الأمرَّيْن خلالها، فكان أن 30 مليون مصري ثاروا على الإخوان وتدخل الجيش وأنقذ البلد من حرب أهلية.
في 14 من الشهر المقبل سيُجرى استفتاء على الدستور، وستكون نسبة تأييده عالية، خصوصاً أن السلفيين الذين شاركوا في كتابته يؤيدونه وهم لا يمكن أن يُتهموا بأنهم من أنصار القوات المسلحة. على سبيل التذكير، الدستور الذي طلع به الإخوان أقِرَّ بغالبية الثلثيْن إلا أن عدد المشاركين في التصويت لم يزد على ثلث الناخبين المصريين، ما يعني أن مؤيديه لم يتجاوزوا 20 في المئة من أبناء الشعب.
أرجو أن يعود إليّ القارئ ويحاسبني إذا أخطأت في توقعي حجم تأييد الدستور الجديد، وأن يحاسبني أيضاً إذا لم يفز الفريق الأول عبدالفتاح السيسي بالرئاسة من الدورة الأولى لو قرر أن يرشح نفسه.
ثم أرجو القارئ أن يلاحظ أنني أنتقد أداء الإخوان من دون أن أطلب عزلهم عن العمل السياسي في مصر فهم أصحاب شعبية كبيرة، حتى بعد أن تراجعت نتيجة لما ارتكبوا من أخطاء وخطايا في الحكم.
كل ما سبق لا يعني أنني أدافع عن النظام الانتقالي الحالي، فلا أفعل، وأرجئ الحكم على النظام المقبل بعد الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس جديد وبرلمان حتى أرى أداءه.
لا أوافق أبداً على اعتقال أو محاكمة إصلاحيين من نوع أحمد ماهر وعلاء عبدالفتاح وأحمد دومة، أو بنات تظاهرن سواء كن من الإخوان أو ضدهم. ولي تحفظ على فصل القوات المسلحة عن السلطة المدنية في مسودة الدستور الذي سيصوّت عليه المصريون، فالديموقراطية تعني أن يكون البلد كله تحت إدارة مدنية منتَخَبة.
ما سبق يظل من الهنات الهيّنات بالمقارنة مع فشل الإخوان المسلمين في الحكم وهم يقدمون الولاء للجماعة على الولاء للوطن.
أستطيع أن أتجاوز عمل الحكم الانتقالي لأنه، كما يدل اسمه، موجود لفترة زمنية قصيرة، فالمهم أن يخلو النظام المقبل، الذي نرجو مع المصريين أن يكون ديموقراطية حقيقية، من الشوائب التي رافقت سنوات حكم حسني مبارك وتفاقمت في سنة الإخوان المسلمين في الحكم.
هذا يعني سيادة القانون، وعدم تجاوز الدستور، وصيانة حرية الرأي وحق كل مواطن في ممارستها، وأيضاً حق المواطن في التظاهر السلمي، وفي حياة كريمة ملؤها الأمل لا الخوف.
الإخوان المسلمون لا يناسبهم أن ينجح آخرون من حيث فشلوا هم، لذلك يحاولون تخريب الانتقال إلى نظام ديموقراطي دائم. وبعد تراجع التظاهرات المليونية إلى تظاهرات «مئوية» وربما أقل، أخذوا يحرضون طلاب الجامعات على التظاهر ومقاومة الشرطة وتعطيل الدراسة... يعني أنهم يحاولون تخريب مستقبل أنصارهم في الجامعات بعد أن دمروا الحياة اليومية للمصريين أو كادوا.
لا بد أن يكون في جامعة تضم عشرة آلاف طالب أو 20 ألفاً بضع مئات من أنصار الجماعة، وهذا حقهم، إلا أن العنف يعني أن يُحاكم الطلاب ويُسجَنوا ويخسروا التعليم العالي، بدل أن يُترَكوا ليتخرجوا وينتصروا للإخوان من موقع العمل والقوة والحرية.
أقول مرة أخرى أنه يجب أن يكون الإخوان المسلمون المصريون جزءاً من النظام الديموقراطي المقبل، ليستحق اسمه، غير أنني أكتب هذا مدركاً أن الإخوان لا يريدون ديموقراطية بل دكتاتورية الجماعة. فلا أدعو للمصريين أو أرجو لهم سوى حُسن الاختيار في الدستور والرئيس والبرلمان رحمة بهم وبنا جميعاً.