جهاد الخازن
أبقى مع البحرين يوماً آخر، ومع السفير الاميركي توماس كراجسكي. ففي مقابلة له مع مجلة السياسة التي تصدرها جامعة يال، أشار الى عمله سفيراً في اليمن وقارن فقرها وإرتفاع نسبة الأمية فيها مع البحرين التي قال إنها ثرية نسبياً، والتعليم مهم لشعبها حتى أن نسبته تكاد تبلغ 100 في المئة ولها إقتصاد مزدهر تأثر بأزمة 2008 (التي أطلقتها السياسة الخرقاء لادارة بوش الابن)، وهو لاحظ أنه رغم الخلافات الحالية بين سنّة وشيعة، فالطائفتان عاشتا بسلام معاً في جزيرة صغيرة 300 عام.
أسأل ماذا تغير حتى دبَّت الخلافات؟ الجواب الوحيد هو أطماع الجمهورية الاسلامية في ايران التي يسيطر عليها آيات الله غير المُنتَخَبين، وتمارس أطماعاً فارسية في البحرين والخليج كله.
لو كان الخلاف في البحرين على الديموقراطية لكنت تظاهرتُ مع المتظاهرين، إلا أنه خلاف على أن تكون البحرين بلداً مفتوحاً ولكل أهله، أو جمهورية دينية أخرى مغلقة على نفسها، والعالم كله يفرض حصاراً عليها وعقوبات.
البحرين بلد مزدهر كما يقول السفير، وأزيد له أن وراء إزدهارها "شطارة" أهل الحكم فيها ودعم دول مجلس التعاون لها. البحرين بلد من دون موارد طبيعية تذكَر فدخله من النفط 50 ألف برميل في اليوم، إلا أن هناك 200 ألف برميل أخرى من حقل مشترك مع السعودية، والنتيجة أن دخل البحرين من النفط هو 250 ألف برميل في اليوم وهذا رقم يظل نصف دخل عُمان وهي البلد الذي يأتي فوق البحرين في إنتاج النفط في دول مجلس التعاون.
الحكم في البحرين جعل البحرين مركزاً مالياً نشطاً مع سياحة من دول الجوار، خصوصاً في نهاية الأسبوع.
هذا كله تحقق والشيخ خليفة بن سلمان رئيس الوزراء، والآن أسمع أن السفير الاميركي طلب من الملك حمد بن عيسى إقالة رئيس الوزراء. لا أدري إذا كان هذا صحيحاً، وأرجو ألا يكون كذلك لأن السفير لا حق له إطلاقاً في التدخل، فالحكومة شأن بحريني. ثم أنه لو تدخل فعلاً فالنتيجة الأكيدة هي أنه لو كان الملك يريد إستبدال رئيس وزراء جديد بعمه الشيخ خليفة، فانه سيغير رأيه ولن يفعل، ويصبح أكثر تمسكاً برئيس الوزراء الحالي.
ما أدّت اليه تدخلات السفير الاميركي الحقيقية والوهمية هو أن البرلمان البحريني إتخذ قرارات أخيراً لوقف تدخل السفير في الشؤون الداخلية للبحرين.
مرة أخرى، لا أجزم بأن السفير يتدخل بالحجم المنسوب اليه، ولكن لا دخان من دون نار، والحملة عليه في الميديا المحلية والبرلمان لا تشجع على توقع دور إيجابي منه في إنهاء أعمال العنف التي أتهم المعارضة بها، وأيضاً ايران وتحريضها. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد حل مشكلتها مع ايران على حساب البحرين فهي ستفشل لأن البحرين ليست وحدها فهناك دول مجلس التعاون وكل دولة عربية أخرى، خصوصاً مصر، فالدول العربية التي تشكو من الأطماع الفارسية في بلادها ستحمي البحرين. هذا خط أحمر لن يقبل العرب تجاوزه كما قبِل باراك اوباما تجاوز خطوطه الحمر.
الملك حمد بن عيسى هو الذي إستقدَم لجنة تحقيق دولية ويعمل الآن على تنفيذ توصياتها، ووزير الداخلية الشيخ رشيد بن عبدالله عيَّن ضابطين كبيرين من بريطانيا والولايات المتحدة في وزارة الداخلية لتقديم المشورة ومراقبة العمل. هل فعل نظام آخر ما فعل الملك ووزير داخليته؟ أنتظر جواب السفير والهواة في جماعات حقوق الانسان، وأيضاً أعضاء الكونغرس الذين أرسلوا الى الملك حمد رسالة ردّ عليها أعضاء في برلمان الكويت رداً مفحماً، إلا أنه طويل، وكنت أتمنى لو أستطيع نشر بعضه.