جهاد الخازن
الولايات المتحدة تحاول أن تصلح ما خربت سياستها في اليمن، وأرى أنها ستفشل مرة أخرى، وتزيد صعوبة الوصول إلى حل في جنوب غرب جزيرة العرب.
الولايات المتحدة اليوم تخشى زيادة قوة «القاعدة» في شبه جزيرة العرب، فالخلاف السياسي ثم العسكري بين نظام علي عبدالله صالح والجماعات المطالبة بتغيير سياسي ترك «القاعدة» حرة للتمدد خارج أبين، والغارات الأميركية بلا طيار لم تعطل عمليات الإرهابيين من «القاعدة».
أسوأ من ذلك أن قوات العمليات الخاصة اليمنية التي دربتها قوات أميركية لمواجهة «القاعدة» انحازت إلى علي عبدالله صالح بعد سقوطه وهو تحالف مع الحوثيين وأصبحت القوات الخاصة تقاتل الحكومة الشرعية التي رأسها عبدربه منصور هادي.
على سبيل التذكير، هادي في الأصل جنرال في الجيش اليمني، وبعد محاولة اغتيال علي عبدالله صالح في حزيران (يونيو) 2011 عولج في المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى بلاده، وذهب إلى الولايات المتحدة في مطلع 2012 لإكمال العلاج، وعاد منها إلى بلاده وبقي فيها، وقد شجعه أن الكونغرس الأميركي أقرّ مساعدة بمبلغ 120 مليون دولار، معظمها عسكري، لحكومته.
كان علي عبدالله صالح يقبل أحياناً أو يرفض والولايات المتحدة لها وجود في اليمن وتعد بعدم ملاحقته قانونياً إذا استقال ثم لا تحدّث أحداً غيره، ولا تحاول مجرد التفاوض مع الجماعات المعارِضة التي شكلت تجمعاً ضم عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية المحلية. والنتيجة أن المعارضة قررت أن الإدارة الأميركية خذلتها وأن عليها التصرف وحدها.
استقالة علي عبدالله صالح في 2012 كان يمكن أن تسير بالبلاد إلى تغيير سلمي يفيد جميع أطراف النزاع السياسي، إلا أن إيران وجدت في الأخطاء المتراكمة فرصة سانحة لتوسيع حلقة نفوذها فساندت الحوثيين بالسلاح والمال حتى ثاروا وحاولوا انتزاع الحكم (قرأت كلاماً غير صحيح عن الزيديين، فهم طائفة بين السنّة والشيعة، وأكثر ميلاً إلى السنّة، ومنهم علي عبدالله صالح، والأزهر الشريف ومختلف المراجع الإسلامية الكبرى تعترف بهم مذهباً إسلامياً).
بعد مسلسل الأخطاء الأميركية اضطرت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها العرب إلى التدخل عسكرياً تمهيداً لحل سياسي عن طريق المفاوضات. والغارات نجحت في كبح غرور الحوثيين، ووقف انتشارهم العسكري. وعندما توقفت الغارات بعد شهر لم يوقف الحوثيون عدوانهم، فاستؤنفت الغارات.
الولايات المتحدة رحبت بوقف الغارات وكذلك إيران وعلي عبدالله صالح ودول أوروبا. وأعلنت الولايات المتحدة أن المطلوب هو عودة سريعة غير مشروطة إلى التفاوض للوصول إلى عملية تغيير سياسي لا تستثني أحداً. الحوثيون قالوا لا تفاوض قبل وقف الغارات ورفع الحصار واشترطوا تفاوضاً برعاية الأمم المتحدة. والتحالف العربي يريد الانتقال إلى مفاوضات سياسية، ولكن بعد تراجع الحوثيين إلى مناطقهم، وعودة الحكومة الشرعية إلى الحكم.
الإصرار السعودي على مواجهة في اليمن يعكس استقلالاً محموداً عن السياسة الأميركية. ولا بد أن يكون هناك حل في النهاية، غير أن الشيء الأكيد الوحيد اليوم هو أن اليمن تواجه أزمة إنسانية خطرة، فقد قتِل حوالى ألف يمني، وفرّ كثيرون إلى الخارج، وشرِّد 150 ألفاً داخل بلادهم، والشعب على حافة المجاعة.
كل ما عندي للمفاوضين العرب هو نصحي الدائم لهم ألا يثقوا بالسياسة الأميركية.