جهاد الخازن
هل المملكة العربية السعودية بلد واحد، أو بلدان عدة بالاسم نفسه؟
السعودية التي أعرفها على امتداد عقود بلد محافظ، ولعله محافظ جداً، وحقوق المرأة فيه منقوصة إلى درجة منعها من قيادة السيارة، وعندي قائمة بما أتمنى أن أرى في السعودية وما أنا واثق من قدرة الحكم على تحقيقه.
من ناحية أخرى، السعودية الدولة بلد مسالم مفتوح على العالم وثري، وحجر الزاوية في بناء الطاقة العالمية، وهو بلد كريم يساعد القريب والبعيد، ورحم الله أبا عمـّار الذي قال لي يوماً إن المساعدة العربية الوحيدة التي كان يتلقاها في موعدها، ويعتمد عليها في دفع المرتبات وغيرها هي المساعدة السعودية.
لماذا أكتب هذا اليوم؟ أكتبه لأنني أقرأ باستمرار حملات على السعودية أو انتقاداً من ناس لا يعرفون أهل الحكم، وربما لم يزوروا السعودية يوماً. رأيت الملك سلمان بن عبدالعزيز وهو أمير شاب يزور لبنان، وتوثقت علاقتي به في السبعينات وحتى اليوم من دون انقطاع. عرفت أيضاً أبناء الملك عبدالعزيز الآخرين، وأستطيع أن أتحدث عنهم وعن بلدهم من منطلق المعرفة المباشرة.
أكتب بعد أن قرأت مقالاً في «نيويورك تايمز» يتهم المملكة العربية السعودية بأنها «دولة إسلامية» ناجحة أو في ثياب بيضاء بعكس دولة «داعش» السوداء. هذا مقال يناسب الجريدة الناشرة فلا أزيد. المقال تزامن مع عرض في «فاينانشال تايمز» لكتابين عن السعودية يعتبر البلاد ذات مصير غير مؤكد. أحد الكتابَيْن عنوانه «المملكة العربية السعودية: مملكة في خطر» من تأليف بول ارتس وكارولين رولانتس، والثاني عنوانه «إصلاحيون مكتومون: الصراع على السياسة المقدسة في المملكة العربية السعودية» من تأليف مضاوي الرشيد. أقول بأبسط عبارة ممكنة إن السعودية ليست في خطر، وإن الصراع على الحداثة صحي إن وجد. الكتابان يذكراني بكتاب صدر في ثمانينات القرن الماضي عنوانه «التراجع والسقوط العاجل للمملكة العربية السعودية» من تأليف سعيد أبو الريش. السعودية لم تسقط بعد 35 سنة من ذلك الكتاب، والمؤلف توفي. وهكذا أتحدى مؤلفي الكتابَيْن الجديدين، إذا عاشوا وعشت، أن نرى ما يتوقعون أو يتمنون للسعودية. هو لن يحدث.
أصبح عندي مقياس لنجاح أي دولة عربية هو عدد الحملات عليها. فكلما زادت الحملات تكون سياستها وطنية، وإذا قلـَّت تخامرني شكوك.
الإمارات العربية المتحدة تتعرض لحملات كثيرة ما يطمئنني إلى وطنية سياستها الخارجية، وقرأت في «نيويورك تايمز» مقالاً عنوانه إن «ايميلات» إماراتية مسرَّبة قد تهدد محادثات السلام في ليبيا، يقول في فقرته الأولى إن الإمارات أرسلت أسلحة إلى الجانب الذي تؤيده في ليبيا خلال الصيف مخالفة بذلك حظراً دولياً على تسليح أي طرف في ليبيا. والجريدة تنقل عن «ايميلات» ديبلوماسي ليبي إلى الأخت لانا نسيبة، سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة.
هذه تسريبات؟ هذه أسرار؟ أنا أعرف، كما يعرف ناس كثيرون في بلادنا وحول العالم، أن الإمارات تسلح الحكومة الشرعية في بنغازي ضد المليشيات الإرهابية التي تسيطر على أجزاء من ليبيا. هذا عمل وطني وليس خرقاً لأي اتفاق دولي لا تلتزم به دول الشرق والغرب، وأنا أؤيده من منطلق الثقة بالسياسة الخارجية للإمارات. من أين سلاح الإرهابيين في ليبيا؟ هو من المنافقين الذين يهاجمون الإمارات.
أكمل بمصر وأختتم بها فهي تتعرض لحملات من نوع ما سبق حتى أنني قرأت اعتراضاً على استخدامها شركة إعلانات عالمية لتحسين صورتها في الخارج. لولا الحملات ما كان العقد مع الشركة، وجريدة «الاندبندنت» تقول إن حوالى 600 حكم إعدام صدرت في مصر عبدالفتاح السيسي، ولكن لا تقول إنه لم ينفذ أي حكم منها، فلعلها تتمنى إعدام الناس لتبدأ حملة جديدة على المحروسة. وفي مقال آخر تتحدث الجريدة اللندنية عن تأثير سلفي سعودي أدى إلى الرديكالية الدينية في بلجيكا. هناك متطرفون حتماً إلا أنهم أفراد والحكومة السعودية ليست متطرفة أبداً، إلا إذا اعتُبِر الالتزام بالإسلام تطرفاً.