جهاد الخازن
السياسة الخارجية السعودية كانت دائماً مستقلة عن الشرق والغرب، وقد كثرت الأدلة القاطعة في الأشهر الأخيرة ولكن أبدأ، مختصِراً، بالماضي.
الملك عبدالعزيز آل سعود تفاوض على مدى يومين مع الرئيس فرانكلن ديلانو روزفلت على ظهر المدمرة كوينسي في البحيرات المرّة سنة 1945، ورفض إطلاقاً الموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين وقال للرئيس: «نحن لم نعمل شيئاً لليهود. الألمان قتلوهم. أعطوا اليهود بيوت الألمان».
موقف الملك فيصل من حربي 1967 و1973 وإسرائيل لا يحتاج إلى شهادة مني فقد كان بطلاً عربياً في قيادة قطع النفط بمساعدة الشيخ زايد والمنتجين العرب الآخرين. في أيام الملك خالد وصل سعر برميل النفط إلى 40 دولاراً، وهو رقم خيالي في تلك الأيام. وأذكر من أيام الملك فهد ذهاب الأمير خالد بن سلطان إلى الصين والعودة بالصواريخ في صفقة تاريخية. الملك عبدالله واصل استقلالية القرار السعودي، من العراق وتركيا إلى مصر «الإخوان المسلمين» وكل بلد.
ما سبق خلفية ثابتة بالصوت والصورة لا ينكرها سوى مكابر أو عميل، فأكمل بما رصدتُ هذه الأيام.
كل قرار للمملكة العربية السعودية في اليمن جرى بالتفاهم مع الدول العربية المعنية مباشرة بالوضع، خارج أي تنسيق مع الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، وقصف الميليشيات الحوثية العميلة لإيران بدأ في 26 آذار (مارس) من دون أي تنسيق مع الأميركيين الذين لا يزالون يركزون بطائرات من دون طيار على القاعدة في جزيرة العرب. السعوديون غابوا عن مؤتمر دعت إليه الأمم المتحدة مع بدء الغارات فلم يُعقد، ومؤتمر الرياض في 18 و19 أيار (مايو) لم يؤدِ إلى نتائج لغياب الحوثيين. والسعوديون رفضوا أي تفاوض مباشر مع الحوثيين الذين قابل الأميركيون زعماءهم في 31 أيار. وعندما حضر السعوديون مؤتمر جنيف في منتصف حزيران (يونيو) كانت المفاوضات مع الحوثيين غير مباشرة، وبوساطة الأمم المتحدة، بل إن السعودية أعلنت تقديم 274 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لليمن، إلا أنها لم تسلم المبلغ للأمم المتحدة وإنما قررت توزيع المساعدة بنفسها في بلد أقرأ أن 80 في المئة من أصل 24 مليون مواطن فيه يحتاجون إلى مساعدة إنسانية.
الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، ذهب في الصيف إلى سانت بيترسبرغ وقابل الرئيس فلاديمير بوتين، وقرأت عن استثمارات سعودية قيمتها عشرة بلايين دولار. وذهب وزير الخارجية عادل الجبير إلى موسكو وتفاوض مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولم يتفق السعوديون مع الروس على الملف السوري، لأن الموقف السعودي هو حل من دون بشار الأسد، والروس يريدون استمرار حليفهم الأسد في الحكم. وقرأت أن رجل المخابرات السورية علي المملوك ذهب إلى جدة للتفاوض بعد أن اعترف الرئيس بشار الأسد في خطاب له بما منيَ به الجيش السوري من خسائر ميدانية.
السنة الماضية اتفق السعوديون والأميركيون على زيادة إنتاج النفط للضغط على إيران وروسيا، والأسعار هبطت من نحو 80 دولاراً للبرميل إلى ما بين 40 و50 دولاراً مع نهاية السنة. الأميركيون اتفقوا مع إيران على برنامجها النووي، وهم يريدون من السعودية خفض إنتاجها إلا أن السعودية لا تزال تنتج نحو 10.6 مليون برميل في اليوم، ما يبقي الأسعار متدنية، وما يهدد الاقتصاد الأميركي قبل غيره.
الأسبوع الماضي سقطت البورصات العالمية بسبب مشاكل الاقتصاد الصيني، وأسعار النفط. والسعر المنخفض يهدد بتدمير صناعة النفط الحجري الأميركية، وإعلان الولايات المتحدة أنها ستصبح بلداً مصدراً للنفط.
كل موضوع سجلته اليوم ثابت أكيد قاطع فلا تحامل أو حماية أو عمالة. والسياسة الخارجية السعودية من الملك عبدالعزيز إلى الملك سلمان، مروراً بكل ملك بينهما، خدمت وتخدم المصالح السعودية لا الشرق أو الغرب.