جهاد الخازن
زعيمة «العالم الحر» مارست التعذيب في المعتقلات ودانها تقرير للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، والآن يقوم مَنْ يدافع عن التعذيب ويجد له الأعذار.
نائب الرئيـــس ديك تشيني في ولاية جـــورج بوش الابن استبَق التقرير كله ليقول إن التعذيب كان القرار الصائب جداً ووكالة الاستخبارات المركزية مارسته بوجود تفويض لها. هو يكذب كما يتـــنفس وتقرير الكونغرس يقول إن سي آي أي كذبت على الإدارة والكونغرس.
تشيني زاد أن تعذيب السجناء قدم معلومات استخباراتية لا تقدَّر بثمن مع أن تقرير الكونغرس قال إنه لم يؤدِّ إلى أي معلومات مفيدة أو يمنع إرهاباً آتياً.
في زمان آخر كان تشيني سيُصلب ويعلق على إحدى بوابات بغداد، فالتعذيب أقل جرائمه، وهو كان من إدارة أو عصابة حرب، زوَّرَت عمداً الأدلة للهجوم على العراق، ما أدى إلى موت مئات ألوف العراقيين الأبرياء، وفتح الباب أمام إرهاب مجرم حتى اليوم.
كل مَنْ يدافع عن التعذيب يخالف الدستور الأميركي ويكذب، وبين هؤلاء جون ماكلوغلن، مدير سي آي أي بالنيابة سنة 2004، ونائب المدير من 2000 إلى 2004.
قرأت له مقالاً عنوانه «تقرير مجلس الشيوخ عن (أساليب) التحقيق يشوّه نجاح سي آي أي في إحباط مؤامرات للإرهابيين». هو يسجل خمس حالات من النجاح المزعوم كلها زائف ويعارض إصرار التقرير على أن التعذيب لم يكشف أي مؤامرات تدبَّر ضد الولايات المتحدة. أكتفي هنا بنجاح مزعوم لا يطلع به سوى متهم بالمشاركة في التعذيب من نوع ماكلوغلن. هو يتحدث عن النجاح في الوصول إلى أسامة بن لادن، غير أن التعذيب كان بين 2001 و2006، أو 2008 على أبعد احتمال، وبن لادن لم يُكتشَف مخبأه ويُقتل حتى 2011 في ولاية باراك أوباما.
النائب مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، يكذب أيضاً، فهو زعم أن نشر التقرير (التقرير لم يُنشَر وإنما نشِر موجز في حوالى 500 صفحة عن تقرير في 6200 صفحة) كان «فكرة فظيعة» لأنه يعرّض حياة الأميركيين حول العالم للخطر.
أسأل هل الإرهابيون حول العالم في حاجة إلى تقرير عن التعذيب في غوانتانامو ومعتقلات سرية ليقرروا مهاجمة أهداف أميركية؟ سياسة الحزب الجمهوري، أو المحافظين الجدد المجرمين، أيام بوش الابن هي التي أطلقت العداء للولايات المتحدة... يعني هل كان النائب روجرز وأمثاله يتوقعون أن يقتل الاحتلال الأميركي الناس ويُكافأ برمي جنوده بالوَرد؟
بحثت في ميديا اليمين المتطرف أو ليكود أميركا بعد صدور التقرير ووجدت مجلة «كومنتري» تبحث عن متبرعين لها، ومقالات في «ويكلي ستاندرد» وغيرها عن التحقيق تنتقده، وهجوماً على أوباما و «سلبيته»، وأيضاً بطولة كرة القدم في الجامعات، بل عن التحقيق في هجوم بنغازي.
أنصــار إســرائيل لا تنــاســبهم الحــقيقة ولو صــفعتـــهم في وجـوههم.
كان هناك مَنْ تحدث بصدق، ولمرة نادرة في حياتي العملية أجد ما أوافق عليه في افتتاحية كل من «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، فالأولى سجلت كذب سي آي أي وممارسة التعذيب، والثانية قالت إن فضائح المعتقلات ما كان يجوز أن تحدُث. أما «لوس أنجليس تايمز» الأكثر موضوعية، فقالت إن التقرير عارٌ على أميركا والتفاصيل تسبب الغثيان.
كلام صادق وغير مفيد، فالعدل يقتضي أن يُحاكَم المجرمون من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد نزولاً.