تمنيت لو كنتُ شاعراً لأهجو هذا الزمان، إلا أنني شويعر من النوع الذي وجده المتنبي تحت إبطه، ورأيت أن أبعِد القارئ اليوم عن نكد الأخبار السياسية وأن أحاول التسرية عنه بتسجيل بعض شعر الهجاء مما بقي في رأسي من أيام دراستي الأدب العربي في الجامعة.
أبو نواس كان عالي الثقافة بمقياس عصره ولا جدال، وكان ظريفاً، إلا أنه كان متهتكاً، وأختار اليوم من شعره الأنيق ثم أكمل بآخرين.
هو قال عن أستاذه والبة بن الحباب:
وابن الحباب صليبة زعموا / ومن المحال صليبة أشقر
وصليبة تعني أنه عربي صميم، فكيف ذلك ووالبة أشقر.
هو قال أيضاً:
سيبقى بقاء الدهر ما قلت فيكم / وأما الذي قد قلتموه فريح
ونجد غلبة الظرف في شعره وهو يقول:
رأيت الفضل مكتئبا / يناغي الخبز والسمكا
وقطب حين أبصرني / ونكس رأسه وبكى
فلما أن حلفت له / بأني صائم ضحكا
وبالمعنى نفسه:
أمات الله من جوع رقاشا / فلولا الجوع ما ماتت رقاش
ولو أشممت موتاهم رغيفا / وقد سكنوا القبور إذاً لعاشوا
وقال:
والله لو كنت جريرا لما / كنتُ بأهجي لك من أصلكا
وبما أن أبا نواس كان يتردد على ما اسمه اليوم بار أو ناد ليلي، فقد قال عن غانية:
أكثري أو فأقلـّي / قد مللناك فملـّي
ما إلى حبك عَوْدٌ / ما دعا الله مصلي
اشهدوا أني بريء / من هواها متخلي
وأزيد نقلاً عنه:
قد على الديوان كآبة / مذ تولاه ابن سابه
يا غراب البين في الشؤم وميزاب الجنابة
يا كتابا بطلاق / يا عزاء بمصابة
يا مثالا من هموم / يا تباريح كآبة
إبن الرومي كان أيضاً واسع الثقافة، إلا أنه كان وقحاً هجا كل مَنْ مدح تقريباً، وهجاؤه مقذع. فأختار:
بما أهجوك يا أنت / أليس أنت الذي أنت
وأيضاً:
يقتر عيسى على نفسه / وليس بباقٍ ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره / تنفس من منخر واحد
هو هجا والده فقال:
لو كان مثلك في زمان محمد / ما جاء في القرآن بر الوالد
وله أيضاً:
يا سليمان لا ألومك في رد / شعري وهل تُلام البهيمة
وهناك القائل:
إذا ذكر الشرك في مجلس / أضاءت وجوه بين برمك
وإن حكيت عندهم آية / أتوا بالأحاديث عن مزدك
وكان الوزير أحمد بن الخصيب ركل رجلاً اقترب منه طلباً لحاجة فقال فيه الشاعر:
قل للخليفة ابن عم محمد/ اشكل وزيرك إنه ركـّال
اشكله عن ركل الرجال فان ترد / مالا فعند وزيرك الأموال
وأخيراً قال الشويعر:
لأنت بين الناس الأسفل / بغل فلا أصل ولا مستقبل