جهاد الخازن
يُفترَض في مراكز البحث والفكر الاميركية أن تكون مثل إمرأة القيصر، فوق مستوى الشبهات، وبعضها لا يزال كذلك، إلا أن بعضاً آخر يتلقى أموالاً من دول أجنبية للدفاع عنها والترويج لمصالحها ما يجعله شركة علاقات عامة تمارس تجارة رخيصة.
«نيويورك تايمز» طرحت الموضوع قبل شهر، وأطلقت ردود فعل لا تزال مستمرة، وفي حين أؤيد معظم ما أوردت هذه الجريدة الراقية فإنني أتابع الموضوع مركزاً على الزاوية العربية.
النروج تبرعت بخمسة ملايين دولار الى مركز التنمية الدولي، غير أن هدفها المُعلن كان دفع الرئيس الاميركي ووزارة الخزانة والكونغرس الى مضاعفة المساعدات الخارجية للدول الفقيرة، وإنفاق مزيد من المال لمقاومة ارتفاع حرارة الطقس وحماية الغابات. الهدف كان خدمة العالم كله لا النروج لذلك تُشكَر على تبرعها.
الامارات العربية المتحدة تبرعت بمليون دولار كجزء من نفقات بناء مقر جديد لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. ولم أقرأ عن أي طلب إماراتي مقابل المال.
قطر قدمت 14.8 مليون دولار على خمس سنوات الى مؤسسة بروكنغز لتمويل مشروع عن العلاقات الاميركية مع العالم الاسلامي. أقول إن قطر لا تمثل الدول المسلمة، وهناك دول عربية سحبت سفراءها من قطر. ثم إن دفاع بروكنغز عن نفسها غير سليم، ومارتن انديك، نائب رئيس المؤسسة ومدير برنامج السياسة الخارجية، يزعم أن المؤسسة تقوم «ببحث أكاديمي مستقل». مارتن انديك كان جزءاً من عملية السلام أيام بيل كلينتون في التسعينات والفريق الاميركي ضم أربعة يهود اميركيين هم انديك (من أصل استرالي) ودنيس روس المؤيدان لاسرائيل، ودانيال كيرتز وأرون ديفيد-ميلر المعتدلان. ثم إن انديك أسس معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدفاع عن اسرائيل والترويج لها، وكان أكثر تمويله من جماعة لوبي اسرائيل، وهو رأس مركز صابان في مؤسسة بروكنغز بعد ذلك، الذي موله البليونير اليهودي الاميركي الاسرائيلي حاييم صابان وهذا أعلن غير مرة أن هدفه دعم اسرائيل. قطر استضافت هذا المركز الاسرائيلي الهوى، حتى أنه أصبح جزءاً من مؤتمر الديموقراطية والاصلاح السنوي في الدوحة... يعني انديك وصابان يريدان أن يعلما العرب «الديموقراطية» الاسرائيلية.
معلوماتي عن تمويل اللوبي معهد واشنطن قرأتها في مقال كتبه م.ج. روزنبرغ ونشرته «هفنغتون بوست». هو قال إنه في أثناء عمله للوبي اسرائيل حضر اجتماعاً اقترح فيه ستيف روزن تمويل المعهد. روزن هذا موظف حكومي اتهِم بالتجسس لاسرائيل ثم أسقِطَت عنه التهم بسحر ساحر.
هناك اليوم دور بحث اميركية عظيمة نزيهة مثل مجلس العلاقات الخارجية، ومؤسسات من نوع راند وكاتو، ومعهد الدراسات السياسية، وأميركيون من أجل السلام، وشارع جي.
في المقابل هناك:
- مؤسسة اميركان انتربرايز حيث يبث جون بولتون سمومه.
- المعهد اليهودي للأمن القومي (جينسا) وأرى أنه أمن اسرائيل لا أمن الولايات المتحدة.
- مؤسسة الحقيقة (أو الصدق) في الشرق الأوسط، وأرى أن بينوكيو رغم طول أنفه أكثر صدقاً منها، وقضيتها الحالية ايران.
- متحدون ضد ايران نووية، والاسم يُغني عن شرح، ووزارة العدل الاميركية منعت أخيراً قضية رفعها ضد هذه العصابة ثري يوناني بعد أن اتهمته بنشاط غير شرعي مع ايران.
هذا المقال هو جزء من دراسة قرأت بعضها في اجتماع للجنة المصرية - الاميركية للعلاقات السياسية في نيويورك الشهر الماضي، وعدت اليها بعد أن تلقيت تعليقات قراء كثيرين على مقاليّ عن الامارات وقطر، فرأيت أن أستكمل الموضوع بما أرجو أن تكون فيه فائدة لجميع القراء.