يا مناظر عالشّاشة/ يا خدّاعة وغشاشة/ يا عروس بخشخاشة/ يا مصمودة بالتابوت/ يا ضيعانك يا بيروت.
كنتُ أسير في شوارع مدينتي وأرى شوارع كل المتاجر فيها مغلق، أو أرى متاجر مفتوحة ولا زبائن، وتذكّرت بعضاً من زجل الشاعر الشعبي، أو شاعر الشعب عمر الزعنّي، وعدتُ إلى البيت وبحثت وبحثت حتى وجدتُ ديوانه الذي قدمه إلى الناس الأستاذ فاروق الجمّال في حلّة جميلة.
زجل عمر الزعنّي يعود إلى 70 سنة أو أكثر، ووجدته أصدق اليوم منه عندما قيل، كما فعلتُ أخيراً بالنقل عن مؤرخ التراث الشعبي اللبناني سلام الراسي، ما لقي رضا القراء. ورأيت أن أعود إليهم ببعض زجل عمر الزعنّي مختاراً ما يستطيع القارئ غير اللبناني فهمه من كلام عامّي.
هو قال أيضاً عن بيروت: الخواطر مكسورة/ والنفوس مقهورة/ والحرية مقبورة/ والكلام للنبّوت.
في مثل هذا الوضع كان رأي الشاعر: وبيقولو لي غنّي يا زعنّي/ غني وفرفح يا زعنّي/ كيف ممكن غنّي وأطرب/ وإتهنّى بكاسي وإشرب/ والجو مسموم ومكهرب/ نفسي وروحي عطشانة/ وما لي وصول للسبيل.
قال عن نفسه، ما نقول عن أنفسنا: أحلق ذقني ما بيّن (أي أبين)/ بتفضحني شعرات راسي/ فاضحني بين النسوان/ وحارق قلبي وأنفاسي.
هو انتصر للنساء وقال: النسوان عيشتهم زور/ تهمتهم بهتان وزور/ والفرفور ذنبه مغفور/ من همّه دايماً معذور/ وكل الذنب على النسوان. وقال أيضاً: مسكينة البنت المستورة/ كيف ما عملت مقهورة/ مصيبة إن طلعت برّة/ مصيبة إن غلطت مرّة/ عيشتها عيشة مُرّة/ في حياتها مقهورة. غير أنه أنصف المرأة والرجل بالقول: البنت صندوق مسكّر/ مختوم بالشمع الأحمر/ مليان يا درّ وجوهر/ يا سمّ الموت الأحمر/ أنت وحظك يانصيب.
في الشأن الوطني كان له باع طويل وقال عن مصر: طلعت حرب/ من غير حرب/ أغنى الشرق/ عن الغرب. وهو رثى في النصف الأول من القرن الماضي زعماء العرب مثل الملك فيصل الأول، وتحدث عن فلسطين وقال سنة 1946: لو فرضنا المستحيل/ وصحت أحلام إسرائيل/ وفازت الصهيونية/ كبّر عالإنسانية/ والقرآن والإنجيل. وقال سنة 1948: حيا الله فلسطين/ والأبطال الأكرمين/ والأحرار الميامين/ والشهداء الخالدين/ في جميع الميادين.
وثبت أن رأيه في تعامل العالم الخارجي معنا قبل 70 سنة صحيح اليوم، وقال: هيئة الأمم/ مجموعة لَمَمْ/ كان ولم يزلْ/ وجودهم عدم. والولايات المتحدة رعت «النقطة الرابعة» لمساعدة العالم الثالث، على طريقة «مشروع مارشال» لمساعدة أوروبا، وقال الزعنّي: بلا نقطة رابعة بلا نقطة سابعة/ ما زال خيراتها لأميركا راجعة.
ولعل «صندوق الفرجة» بين أجمل قصائده وأصدقها وقعاً. هو قال: شوف تفرج يا سلام/ شوف أحوالك بالتمام/ شوف قدامك عجايب/ شوف قدامك غرايب/ يا حبيبي لو بتشوف/ شوف أحوالك عالمكشوف/ شوف جبال وشوف وديان/ سورية وجبل لبنان/ كانت قطعة من الجنان/ أما اليوم يا حسرة/ ما فيها عشبة خضرة/ يا حفيظ ويا أمين/ من غدرات الزمان.
قصيدته عن الانتخابات ومرشح فيها صادقة إلى حد الإيلام، وأعتقد أنني أشرتُ إليها قبل سنوات، غير أنها تستحق الإعادة. هو قال: داعيكم اسمي فلان/ من أشرف عيلة بلبنان/ مغرور بلطف الإخوان/ ومرشح نفسي نايب. ويكمل الزعنّي بالبرنامج الانتخابي للمرشح ويقول: أول بند من الأربعين/ أخلّي السما تشتّي طحين/ والأرض تنبع بنزين/ بلا رسوم وضرايب/ بس انتخبوني نايب.
كله صحيح، وأختتم بقوله: على أيام الانتداب/ عهد الظلم والإرهاب/ ما كنت خاف أو أهاب/ لا حكومة ولا نواب/ أما اليوم ألف حساب/ صرت إحسب للأذناب.
عمر الزعنّي ولد سنة 1895 ومات مرة واحدة سنة 1961، وترك شعباً يموت كل يوم مرة.