جهاد الخازن
أطلب لأهل الكويت جميعاً، موالين ومعارضين، كل ما يطلبون لأنفسهم أضعافاً مضاعفة. أطلب أن يُرزقوا رزقاً وفيراً، وألا يرزأوا بصدام حسين ثانٍ. أطلب لشيّابهم حُسن الثواب، وللشباب والصبايا حياة زوجية موفقة وخلفاً صالحاً من صبيان وبنات.
في المقابل، أطلب منهم شيئاً واحداً هو ألا يجروا انتخاباتهم النيابية في الصيف.
لم يكن مجرد صيف فقط، وإنما تموز (يوليو) ورمضان، والحرارة 50 درجة مئوية في الظل، ولا ظل.
أعتقد أنني كنت المقصود بتوقيت الانتخابات قبل الناخبين الكويتيين فنحن نقول «اللي مالو حظ لا يتعب ولا يشقى»، وقد لازمني سوء الحظ هذه السنة حتى فكرت في أن أرتدي خرزة زرقاء، ثم نظرت إلى نفسي في المرآة، وأجريت نقداً ذاتياً سريعاً، وقررت أن ليس عندي أو فيّ ما أحسَد عليه.
أريد قبل أن أكمل أن أحكي للقراء قصة ذات علاقة، فالصحافي اللبناني الكبير سليم اللوزي، رحمه الله، جاء إلى لندن قرب نهاية 1975 لشراء منزل وقد قرر أن لبنان سائر نحو الخراب، وهو بحاجة إلى موقع للعمل خارجه، وكان أن أسس مجلة بالإنكليزية هي «إيفنتس» وساعدته. وكانت مكاتبنا في شارع «سافيل رو»، أو شارع الثياب والموضة الأرقى في العالم كله، وكان عندنا ساعٍ لبناني شاب بدأ يخرج من المكتب ولا يعود، وطلب مني سليم أن أحذره، وعندما فعلت وسألته عن سبب غيابه قال لي «إنتَ ما عم تشوف شو في يا أستاذ.» وقلت له «شو في؟» وقال ما ترجمته إلى الفصحى إن هناك نساء عاريات. سألته أين؟ فقال في الجنينة، أي الحديقة.
كنا ندخل صيف 1976 عندما وصلت الحرارة في لندن إلى 30 درجة مئوية وأخذ الإنكليز يتساقطون بضربة الشمس وقد جفّ الحـشيش في هايد بارك. ونـقـلت إلى سـليم رواية السـاعي، واشـترى كل مـنا سانـدويتش وأسرعنا إلى حديقة مـجاورة اسـمها «غرين بـارك» حـيث وجدنا موظفات المنطقة في ساعة الغـداء فـي درجـات متـقدمـة من الـعريّ، وهـن يعرّضـن أجسادهن للـشـمس طـلباً لـلون برونزي.
وأختصر المسافة الزمنية من صيف 1976 إلى هذا الصيف، فقد أخذت العائلة إلى جنوب فرنسا قبل أسبوعين، لأتركها هناك وأعود إلى العمل في لندن. وكان حديث الإنكليز عن صيف لاهب من نوع صيف 1976، إلا أنني كبرت وتبت توبة نصوحاً وعقلت وتزوجت وجَبُنْت، ثم قلت في نفسي إن ما سأفقد في لندن سأراه في جنوب فرنسا.
فوجئت في جنوب فرنسا بغيوم ومطر، وعدت إلى لندن في 24 من الشهر الماضي وهو يوم سجل حرارة قياسية بلغت 32 أو 33 درجة في العاصمة. واعتقدت أن اليوم التالي سيكون مثله، ونمت على حرير الوعد أو الأمل، واستيقظت في لندن لأجد أن موجة الحرارة انتهت وهناك برق ورعد ومطر.
وهكذا فاتتني مرفقات الصيف من مشاهد خلابة في لندن وجنوب فرنسا. وكنت أندب حظي عندما وجدت أن عملي يقتضي أن أذهب إلى الكويت لمتابعة عملية الانتخابات.
انتخابات ورمضان. سـألت عــن سبب التوقيت الصعب وسمعت جواباً مقنعاً فلو انـتـظرت الحكومة حـتى نهاية شهر الصوم لخرج الكويتـيـون في إجـازة بعـده، ولـمـا بـقـي من السكان مَنْ يكـفـي للإشــراف عـلى صـنـاديـق الاقـتـراع. وقلت لـوزير الإعلام الشيخ سـلـمان الحمود إن عزائي هـو أنـني سـأعود إلى الـكـويت فـي آخـر السنة لحضور الانتخابات التالية فضحك وهو يرجو أن أكون مخطئاً.
أسأل ما ذنبي أنا والزملاء الذين توافدوا إلى الكويت لتغطية الانتخابات ووجدوها مغلقة في النهار، مفتوحة في الليل، والنهار يمر بطيئاً والليل لا يبدأ حتى ينتهي... لا يكفي أن أدعى إلى غبقة، وهذه كلمة موجودة في القاموس بمعنى طعام الليل. بل لا يكفي أن أدعى أيضاً إلى قرقيعان (قرقنقعوه في قطر والبحرين) وهي حفلة أطفال من نوع «هالوين» في الغرب و«مس بربارة» في لبنان. في الكويت ذبت ولم يكن ذوباني شوقاً.
نقلا عن جريدة حياة