جهاد الخازن
لا يزال الإخوان المسلمون يتمتعون بشعبية كبيرة بين المواطنين المصريين، وهم ربما فقدوا بعضاً من التأييد بسبب فشلهم في الحكم وزيادة مشاكل مصر، خصوصاً الاقتصادي منها أضعافاً، إلا أنهم يبقون قوة لا يجوز أبداً الاستهانة بها.
عندي استطلاع يومي هو ردود القراء على ما أكتب، وقد لاحظت أنني لا أكتب عن مصر ويرِد الإخوان في المقال حتى أتلقى رسائل كثيرة تدافع عنهم. يحدث هذا مع العلم أنني أقول دائماً إن الإخوان يبقون جزءاً أساسياً من النسيج المصري حتى وإن فشلوا في حل مشاكل الاقتصاد وضبط حبل الأمن، مع إرهاب في سيناء راح ضحيته رجال أمن مصريون بأيدي إرهابيين يدّعون أنهم مسلمون.
إصراري في كل مقال على ذكر شعبية الإخوان وضرورة أن يكونوا جزءاً من الديموقراطية المقبلة لتستحق اسمها لا يشفع لي مع الأنصار، فهم يتوقفون عند الانتقاد ويرفضون أن يروا أنني أحاول الموضوعية، وأنصف الإخوان في حديثي عن شعبيتهم وضرورة أن يبقوا لاعبين أساسيين في السياسة المصرية.
ما لم يختلف معي القراء عليه هو مقالان الأول توكأت فيه على القرآن الكريم وحده، والثاني على عهد رسول الله إلى نصارى نجران والعهدة العمرية لنصارى القدس.
لم أكتب دفاعاً عن المسيحيين بقدر ما كتبت دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، ففي كل مرة تُحرَق كنيسة في مصر أو يُعتدى على مسيحي تصوِّر ميديا المحافظين الجدد الحادث وكأن كل المسلمين ارتكبوه لا بعض المتشددين أو الإرهابيين الخارجين على دين وسطي قويم.
وكنت أعطيت أمثلة، وأمامي المزيد منها منذ نشر المقالين. وأقرأ لعصابة الحرب والشر «المسيحيون على الخط الأمامي في العنف الإسلامي،» و «الإسلام دين المتعصبين.» وأقول إن العنف المؤسساتي الوحيد في الشرق الأوسط ترتكبه إسرائيل حيث توجد حكومة فاشستية وجيش احتلال مجرم. هناك متعصبون في كل دين وعندنا مَثل المستوطنين الذين يستغلون ديناً مزيفاً لسرقة أراضي فلسطين من أهلها. ومع وجود متعصبين أو متطرفين بين المسلمين والمسيحيين فان الدين الوحيد الذي يحض على التعصب هو الدين اليهودي الذي يعتبر أتباعه أفضل من غيرهم حتى أن الحاخام العنصري عوفايدا يوسف يريد أن تخدم بقية شعوب الأرض اليهود. الإسلام يمنع الربا، ولكن الدين اليهودي يمنعه بين اليهود ثم يسمح لهم بممارسة الربا على غير اليهود، أي سرقتهم (سفر التثنية).
وأختتم بشيء أفضل من إسرائيل وكل المتطرفين فيها فما كتبت من ذكريات عن سورية الحبيبة أصاب وتراً عند القراء، وتراوحت الردود بين الشكر أو سرد بعضٍ من ذكريات مماثلة. وطلب قارئ أن أتحدث عن «الكيماوي» إلا أن ذكرياتي ليس فيها «كيماوي» بل محبة.
أمير الشعراء أحمد شوقي قال بعد أن ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع ودخلوها في أيلول (سبتمبر) 1925:
سلام من صبا بردى أرق / ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي / جلال الرزء عن وصف يدق
وفي القصيدة أيضاً:
ألستِ دمشق للإسلام ظفرا / ومرضعة الأبوة لا تعقّ
صلاح الدين تاجك لم يجمل / ولم يوسم بأزين منه فرق
وكل حضارة في الأرض طالت / لها من سحرك العلوي عرق
القصيدة كلها جميلة حزينة، وأسترجع كثيراً بيتاً فيها هو:
وللأوطان في دم كل حر / يد سلفت ودَيْن مستحق
أقول إن النكبة بالمستعمر تهون مع النكبة الحالية، ولأمير الشعراء قصيدة أخرى في دمشق تذكرتها وأنا أقرأ رسالة من قارئ اختار بيتاً منها أصححه له هو:
آمنت بالله واستثنيت جنته / دمشق روح وجنّات وريحان
أختار منها، وقد ضاق المكان:
مررت بالمسجد المحزون أسأله / هل في المصلّى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت / على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته / إذا تعالى ولا الآذان آذان
اليوم نبكي سورية دماً بعد أن بكاها أحمد شوقي دمعاً.