جهاد الخازن
مبروك لشعب مصر. مبروك لنا جميعاً. ما سبق كان ردي على مقدمة برنامج تلفزيوني مصري سألتني ليل الأربعاء ماذا كنت سأختار لعنوان مانشيت الصفحة الأولى في جريدتي لو طلب مني أن أكتبه.
صباح الأربعاء كتبت مؤيداً تدخل الجيش خشية وقوع أعمال عنف واسعة النطاق، ولتبديد نذر حرب أهلية، فلم ينته النهار حتى كانت القوات المسلحة المصرية تُصدِر قرارها التاريخي الذي أعتبره انتصاراً للشعب المصري في أهمية أي نصر عسكري.
مصر كانت على حافة الهاوية لولا تدخل القوات المسلحة لحماية الشعب، فنظام الإخوان المسلمين فشل على كل صعيد، وإن كان الفشل الاقتصادي أو الأمني أوضَح من غيره، فالأخوان اختاروا التركيز على احتلال المناصب العليا في الوزارات ليتبع ذلك تعيين أعضاء الجماعة والأنصار في الوظائف الدنيا.
تجربة الاثني عشر شهراً الماضية أثبتت صدق التهمة أن الجماعة تسعى إلى أخوَنة البلد، أي أن الرئيس المدني ينقض أهم أسس الديموقراطية التي أوصلته إلى الحكم، وهو أن تستوعب، أو تتسع، لجميع الأطياف، بدل أن تكون لفريق ضد كل فريق آخر.
أقول للرئيس محمد مرسي «أعطيتَ مُلكاً فلم تحسن سياسته وكل مَنْ لا يسوس المُلك يخلعه»، وهو ألقى خطاباً سيئاً ليل الثلثاء، وعُزِلَ من الحكم في اليوم التالي وبقي يتحدث عن الشرعية التي سحبها ملايين المصريين من حكم الإخوان لأنهم فشلوا في تلبية أبسط طلبات الشعب المصري.
كل ما سبق لا ينفي أن للإخوان المسلمين قاعدة شعبية واسعة، وإذا أصلح القادة الجدد في الفترة الانتقالية ما أفسدت الجماعة، فان الإصلاح لا يستحق اسمه إذا لم يبقَ للإخوان دورهم في مصر المستقبل، فمعارضة أساليبهم لا تعني إلغاء دورهم السياسي.
بعض أنصارهم في ميدان رابعة العدوية هتفوا وهم يسمعون بيان قيادة القوات المسلحة «يسقط حكم العسكر»، وكانوا بهتافهم يعكسون مدى جهلهم، فالعسكر لم يستولوا على الحكم، وإنما كان قرارهم عبقرياً بنقل المسؤولية إلى المحكمة الدستورية العليا وتكليف رئيسها بمهام رئاسة الجمهورية في الفترة الانتقالية.
أؤيد كل نقطة وردت في البيان التاريخي، فقد اعتبرت نفسي دائماً مصرياً بقدر ما أنا لبناني أو فلسطيني أو أردني. وقد سرَّني جداً أن البيان لم يُهمل الشباب ودورهم في الفترة الانتقالية ومستقبل مصر، فالشباب هم الذين قاموا بثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي ركب الإخوان المسلمون موجتها ثم انفردوا بالحكم.
المهم الآن تنفيذ تعهدات البيان بأمانة وإخلاص وحُسن نية، وهذا يتطلب موقفاً حازماً إلى درجة الشدّة من القوات المسلحة لإحباط أي خروج على القانون من أي طرف.
أقول إنه لا يجوز التهاون إطلاقاً في مجال هيبة القوات المسلحة وقدرتها على فرض القانون بالتساوي على جميع المواطنين.
السلطة في الفترة الانتقالية ستكون تحت إشراف المحكمة الدستورية العليا، وهي المرجع في المسموح والممنوع، أو ما هو قانوني وما يخالف القانون، وهي قادرة على أن تقود مصر إلى بَرّ السلامة، فقد أثبتت دائماً جرأتها في الحق من دون خوف أو تردد. وقضاة مصر اختلفوا مع نظام حسني مبارك مرة بعد مرة، وجاء الإخوان وأصبحت الخلافات مع النظام الجديد أكثر عدداً وحدّة، والقضاة يقولون للدكتور مرسي تحديداً إن هذا القرار أو ذاك غير قانوني.
نحن الآن أمام وضع لا لبس فيه أو غموض، فالقوات المسلحة تدخلت لإنقاذ مصر، وهذا دورها، وبقي التنفيذ الذي يحتاج إلى موقف شجاع مستمر من القوات المسلحة، ودعم لقادة الفترة الانتقالية الذين لا بد أن يواجهوا محاولات لتخريب عملهم أو تعطيله.
وأختتم كما بدأت بتهنئة شعب مصر بالنصر العظيم، وأدرك أن الأمور بخواتيمها، فأرجو للمصريين، ولنا معهم، نهاية سعيدة.
نقلا عن جريدة الحياة