قرب نهاية الستينات من القرن الماضي دخلت مع صديق سينما روكسي في بيروت لنحضر فيلماً اسمه «القبعات الخضراء» يشجعنا أن جون واين بطله. كان الفيلم عن «بطولات» الجنود الأميركيين في فيتنام التي انتهت والأميركيون يفرّون من على ظهر سفارتهم في سايغون بطائرات الهليكوبتر، وفيتنام تعود موحدة.
لم نكمل الفيلم لأن بعض المتفرجين صرخ احتجاجاً ووقف وشتم السياسة الأميركية في فيتنام وبلادنا وكل بلد، وبدأت أعمال شغب داخل القاعة فخرجنا طلباً للسلامة.
التاريخ يعيد نفسه مع فيلم عنوانه «قنّاص أميركي» أسمع أنه مرشح لست جوائز أوسكار اليوم. الفيلم يحكي قصة قناص أميركي في العراق هو كريس كايل الذي يزعم أنه قتل 255 مقاوماً عراقياً، والرقم الرسمي لضحاياه هو 160.
كايل سجل قصة حياته في كتاب صدر سنة 2012 ويحمل الفيلم عنوانه، فهو مارس القنص في النصيرية وبغداد والرمادي والفلوجة وغيرها.
أول مَنْ قتل كان امرأة زعم أنه رآها تهمّ بإلقاء قنبلة على دورية عسكرية أميركية، وعندما رأى ابنها يحاول حمل القنبلة قتله أيضاً، وهو يقول إن حياة الأميركيين أهم من حياة امرأة روحها شريرة.
راجعوا معي: الأميركيون دخلوا العراق بأدلة مزوَّرة عمداً، كما ثبت من مصادر رسمية أميركية، وقتلوا مليون عراقي، والقناص الإرهابي مثل كل جندي أميركي في العراق بعد 2003 يرى أن جنود الغزو على حق وأن امرأة تدافع عن بلادها مجرمة.
كايل يفاخر بأنه قتل شابين على دراجة نارية صغيرة برصاصة واحدة، ويزعم أنه قتل قناصاً للمقاومة برصاصة واحدة من على بعد 2100 ياردة (أي أكثر من ميل).
هو خدم أربع دورات في العراق، وتغيرت شخصيته مع اعتباره القتل أمراً مسلياً، واختلف مع زوجته تايا، ثم أصبح نجماً بعد عودته إلى الولايات المتحدة يجري مقابلات تلفزيونية وتكتب عنه الميديا.
هو يقول: الناس يسألوني كم قتلت؟ الرقم ليس مهماً ولكن أتمنى لو قتلت عدداً أكبر منهم، ليس للتفاخر، وإنما لأن العالم سيكون أفضل من دون هؤلاء المتوحشين الذي يُزهِقون أرواحاً أميركية.
أستطيع أن أستعمل كلماته نفسها في الحديث عن جيش احتلال دمر العراق وخسر الحرب وانسحب، وترك البلد لعصابات حكم طائفية فانتهى ممزقاً والإرهابيون من داعش يسيطرون على مناطق كبيرة منه ومن سورية.
الفيلم أخرجه كلنت ايستوود، وهذا قال لموقع «ديلي بيست» إنه حاول أن يقدم للمتفرجين «محنة» جندي وشخصيته. ولا بد أن ايستوود مسرور لأن فيلمه سجل أعلى دخل لأي فيلم في الولايات المتحدة هذا الشهر.
مرة أخرى، الفيلم عن قناص إرهابي يمارس القتل على بعد عشرة آلاف ميل من بلاده مرشح لست جوائز أوسكار. لم أكن أعرف أن هناك جوائز للإرهاب، غير أننا نتحدث هنا عن فيلم أميركي وقناص من نوع مجرمي الحرب الذين أرسلوه إلى العراق.
الموضوع له نهاية سعيدة، فالقناص كريس كايل قتِلَ بالرصاص مع صديق له في نادٍ للرماية في تكساس. مَنْ قتله؟ القاتل ادي راي روث جندي سابق من العراق يعاني مشاكل نفسية ومحاكمته قريبة. الله يُمهل ولا يهمل.