توقفتُ في بيروت وأنا في طريقي من لندن إلى دبي وسألتُ عن الأحوال وقيل لي لبنان «على حطة إيدك» وهي عبارة شعبية تعني أنه من دون تغيير، كما رأيته قبل ذلك.
التناقضات الداخلية والأزمات في المنطقة تعني عدم وجود رئيس منذ 25/5/2014، وتعني أن توقُّع انتخاب رئيس غداً أو بعد غد تفاؤل لا مبرر له على أرض الواقع.
رئيس الوزراء تمام سلام من خيرة الناس، أثق بوطنــيته وصدقه، إلا أن «إيد واحدة ما بتزقف (تصفّق)» كما تقــول عبارة شــعبية أخرى، ولا أحد يعاونه أو يتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته الداخلية قبل أن يصل إليه حريق الأزمات الأكبر في المنطقة، وقد رأينا بعض الشرر.
وسط جو سياسي مكفهرّ وجدتُ أن نقطة الرجاء الوحيدة هي مواقف وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس جبهة النضال الوطني. أقول قبل أن أُكمل أن ليس لي شيء مع آل جنبلاط أو عندهم منذ اقترح عليّ كمال جنبلاط، رحمه الله، أن أتناول شراباً، أعتقد أنه من القمح المسلوق المنقوع، لمقاومة بوادر قرحة في الأمعاء كنت أعاني منها. ولم آخذ الشراب، مفضّلاً حبوب «ميلوكس» التي كان يأخذها أيضاً الصحافي الكبير غسّان تويني، اسألوا سكرتيرته أختنا سامية الشامي.
وليد جنبلاط له موقف انتظار، أو ترقّب للحلول، فهو يرى أن لبنان صار جزءاً من الوضع في المنطقة وينتظر حل الأزمات الكبرى، من نوع الأزمة السورية والنازحين في ربوعه، لتحل مشكلات لبنان.
مع ذلك هو يدرك أن شغور رئاسة الجمهورية لا يمكن أن يستمر بانتظار حل الأزمات الأكبر حوله، لأن كل الدول المعنية بالقتال والحلول تضع لبنان في آخر قائمة أولوياتها، فالعراق وسورية وليبيا واليمن أهم وأكثر إلحاحاً.
ما أفهم عن مواقف وليد جنبلاط هو أن على اللبنانيين قلع شوكهم بأيديهم، إذا كان لي أن أتوكأ على عبارة شعبية أخرى. يجب عليهم مواجهة قضايا سياسية واجتماعية ملحة، وتحريك إدارات الدولة بمعزل عن أزمات المنطقة، والمطلوب لذلك انتخاب البرلمان رئيساً لتسير مؤسسات الدولة وتحاول خدمة المواطنين.
للحزب التقدمي الاشتراكي مرشح للرئاسة، هو هنري حلو، النائب المعتدل عن عاليه كأبيه بيار قبله. ووليد جنبلاط قد يقبل مرشحاً توافقياً من نوع جان عبيد، إلا أنه يقول إنه لن يسحب مرشحه لمصلحة أي مرشح آخر.
بين المرشحين قائد الجيش جان قهوجي الذي يتمتع بعلاقات طيبة مع مختلف القوى السياسية، وهناك على اليمين ميشال عون الذي أرى أن تَقَدُّم سنّه يُضعف حظوظه الرئاسية. ثم هناك مرشحون وسطيون مثل جان عبيد ورياض سلامة (لا تزال زوجته ندى مرشحتي المفضّلة لدور السيدة الأولى) وجورج خوري السفير في الفاتيكان الذي كان يوماً مدير المخابرات في الجيش أيام رئاسة إميل لحود.
المرشح الفائز يجب أن يحظى بدعم كتلتي ميشال عون و «حزب الله»، فهما كتلتان كبيرتان في مجلس النواب، وإذا كان توافقياً فهناك ضرورة حصوله أيضاً على تأييد جماعة «14 آذار»، بما في ذلك تيار المستقبل.
لو كان وليد جنبلاط مرشحاً في المتن الجنوبي لانتخبته، إلا أنه في الشوف، وهو أشار إلى أنه يريد أن يستقيل ليرشح ابنه تيمور لمقعده في انتخابات فرعية، وأرجّح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يقبل ذلك بحجة أن الأوضاع السياسية الداخلية لا تسمح، فقد كان هذا العذر للتمديد للبرلمان الحالي، وقد توفي ميشال الحلو في جزين ولم تجرِ انتخابات فرعية لاختيار خلف له.
هذا هو الوضع الذي رأيته في لبنان قبل يومين وقبل شهر، ومنذ الصيف الماضي، وأرجّح أن يكون الوضع نفسه عندما أعود في الشهر القادم.