جهاد الخازن
في بدء شهر الصوم الكريم اخترت آيات من القرآن الكريم. أما ونحن في العشر الأواخر فإن عندي للقارئ الصائم قصصاً من التراث واللغة العربية أرجو أن تكون مفيدة بمقدار ما هي مسلية.
أذكى رد قرأته كان للإمام ابن الجوزي وقد سئل وهو على المنبر وأمامه مصلّون سنّة وشيعة، مَنْ أفضل الخلق بعد رسول الله، أبو بكر أم علي رضي الله عنهما؟ قال: أفضلهما بعده مَنْ كانت ابنته تحته (أي زوجته)، فأرضى الفريقَيْن لأن السنّة قالوا إن الضمير في ابنته يعود إلى أبي بكر، وهي عائشة زوج النبي، ولأن الشيعة ظنوا أن الضمير في ابنته يعود إلى فاطمة، بنت رسول الله وزوج علي.
وأنتقل إلى شيء من اللغة هو المثنى فهو يطلق على شيئين مختلفين. وعندي أمثلة:
الكريمان: الحج والجهاد. الحَرَمان: مكة والمدينة. العُمَران: أبو بكر وعمر. الحسنان: الحسن والحسين. الثقلان: الإنس والجن. الداران: الدنيا والآخرة. الأصغران: القلب واللسان. السَّعْدان: المشتري والزهرة. النَّحْسان: زحل والمريخ. السِّماكان: السماك الرامح والسماك الأعزل (الرامح أمامه كوكب، والأعزل ليس حوله شيء). الفراتان: دجلة والفرات. المشرقان: الشرق والغرب. الأسودان: الماء والتمر، أو الحيّة والعقرب. الأحمران: اللحم والخمر. الأصفران: الذهب والزعفران. الأبيضان: الماء واللبن، أو سيف وسنان، أو شحم وشباب. والشاعر قال: الأبيضان أبردا عظامي/ الماء والفتّ بلا إدام
وأعود إلى التراث فقد اعترض بعض الأعراب الخليفة المأمون وقال: يا أمير المؤمنين أنا رجل من الأعراب. قال: لا عجب. قال: إني أريد الحج. قال: الطريق واسعة. قال: ليس معي نفقة. قال: سقط عنك الحج. قال: يا أمير المؤمنين جئتك مستعطياً لا مستفتياً. فضحك المأمون وأمر له بمال.
وقصة أخرى: وقفت عجوز على قيس بن سعد وقالت: أشكو إليك قلة الجرذان. قال: ما ألطف ما سألتِ. تذكر أن بيتها قفر من الإدم والمأدوم (أي لا طعام تطلبه الجرذان)، فأكثر لها يا غلام من ذلك.
المتنبي قال في مدح كافور: وما طربي لمّا رأيتكَ بدعة/ لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب. قال ابن جني: لما قرأت على أبي الطيب هذا البيت قلت له: ما زدت على أن جعلت الرجل أبا زنّة، وهي كنية القرد فضحك.
أما الباز فكنيته أبو الأشعث ربما لأنه أكثر الطير تكبّراً وأضيقها خلقاً. والديك: أبو حسان وأبو نبهان، وأبو حماد وأبو قاسم. وفي الأمثال: قالوا للديك صيح قال كل شيء بوقته مليح. وأيضاً: من قلة الرجال سمّوا الديك أبو قاسم. والحمار أبو جحش، أو أبو صابر. وقال الزمخشري: إن الحمار ومَنْ فوقه/ حماران شرهما الراكب، والذئب أبو جعدة، والغراب أبو حاتم، والبغل أبو قموص أو أبو حرون، والنمر أبو فارس، والضبع أم قشعم.
وأعود إلى التراث، فهناك مثل قديم هو أخسر من صفقة بني غبشان، ويعود إلى أن قصي بن كلاب اشترى من غبشان، آخر ملوك خزاعة، مفتاح البيت وسدانته وحجابته بزق خمر، ثم حاربهم وأخرجهم عن الحرم.
وموضوع آخر فهناك عبارة بيضة البلد، وهذه يُمدَح بها ويُذمّ، ويقال: فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته وجماعته. وفي الذم يقال إن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت هجرها أبواها وذهبا عنها.
وشعراً، قتل الإمام علي فارس الجزيرة العربية عمرو بن ود فقالت ابنته:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله/ بكيته أبداً ما دمت في الأبد
لكن قاتله مَنْ لا نظير له/ وكان أبوه يُدعى بيضة البلد
وأختتم ببيت من الشعر لأبي العلاء:
غَفَت الحنيفة والنصارى ما اهتدت/ ويهود حارَتْ والمجوس مضللة