إيران ميزانية لنظام اقتصادي غريب

إيران: ميزانية لنظام اقتصادي غريب

إيران: ميزانية لنظام اقتصادي غريب

 العرب اليوم -

إيران ميزانية لنظام اقتصادي غريب

أمير طاهري

ماذا تفعل عندما تكون طموحاتك أكبر من الموارد اللازمة لمواصلة هذه الطموحات؟

من المؤكد أن القيادة في طهران طرحت هذا السؤال عند وضع الميزانية الوطنية للعام الإيراني المقبل، الذي يبدأ في يوم 21 مارس (آذار).

لم يتوانَ الرئيس حسن روحاني، منذ انتخابه، عن اقتناص أي فرصة لرسم صورة سوداء عن اقتصاد يقول عنه، وهو يهز رأسه في حالة من الحزن المصطنع، إنه ورثه من «هذا الرجل»، وهو يقصد ذلك الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وعد روحاني بـ«إصلاح الضرر» الذي خلفه أحمدي نجاد، وباستعادة حيوية الاقتصاد.

ومع ذلك، فإن ميزانيته الجديدة تُعتبر، إما لأنه غير قادر على (أو لا يرغب في التفكير في) القيام بإصلاحات جدية، مشروع ميزانية من السلع أكثر منها سياسة اقتصادية جادة.

لقد قدم روحاني 3 مزاعم أثناء عرضه للميزانية.

أولها أن الميزانية تستند إلى افتراض أن سعر النفط يبلغ نحو 75 دولارا للبرميل. رغم أن النفط يمثل 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، فإنه يشكل نحو 30 في المائة من الميزانية التي تبلغ 312 مليار دولار.

وتكمن المشكلة في أنه لا يدري أحد إلى أين ستتجه أسعار النفط خلال العام المقبل. وتزداد المشكلة تعقيدا مع استمرار تجميد ما يعرف بمجموعة «5+1» لأكثر من مليار دولار من الدخل الشهري من صادرات النفط الإيراني.

الادعاء الثاني لروحاني هو تباهيه بأنه يقدم ميزانية متوازنة.

لا بد أن هذا الهوس الذي أصابه بشأن الميزانيات المتوازنة أتاه من مجموعة الاقتصاديين الذين دربتهم الولايات المتحدة تحت اسم «شيكاغو بويز»، وكانوا ينظرون إلى هذا المفهوم باعتباره عقيدة دينية. فهم لا يدركون أنه عندما يكون الاقتصاد في حالة تراجع، كما هو الحال مع إيران في الوقت الحالي، فإن خفض الإنفاق العام، الذي يعني خفض الطلب، قد يزيد الأوضاع سوءا.

وفقا لمعهد التمويل الدولي، انكمش الاقتصاد الإيراني منذ عام 2012 بنسبة 8.6 في المائة. وأدى هذا إلى قفزة في معدل البطالة من 11 إلى 16 في المائة، أدت بدورها إلى انخفاض حاد في الإنفاق الاستهلاكي. في مثل هذه الحالة، فإن السياسة الأكثر حكمة ينبغي أن تهدف إلى زيادة الاستثمارات في قطاعات، أبرزها البنية التحتية، يمكنها أن تعطي دفعة لسوق العمل.

ولأنه مهووس بالتباهي بموضوع «الميزانية المتوازنة»، فقد قام روحاني بالعكس، عن طريق خفض أو قطع التمويل عن أكثر من 4000 مشروع من جميع الأحجام.

وبدلا من ذلك، قام بزيادة الميزانية العسكرية بنسبة 33 في المائة. وذهب نصيب الأسد للحرس الثوري الإيراني، الذي ارتفعت ميزانيته بنسبة 50 في المائة لتصل إلى 6.7 مليار دولار.

وإذا نظرنا إلى الجزء الذي يتحكم فيه الحرس الثوري الإيراني من القطاع العام، غالبا عن طريق مجموعة «خاتم الأنبياء القابضة»، فإننا سنشهد عسكرة مدهشة للاقتصاد.

ولدينا كذلك ميزانية منفصلة وسرية مخصصة لفيلق القدس الذي تتمثل مهمته في «تصدير» الثورة، من خلال شبكة مكونة من «حزب الله» وجماعات خمينية أخرى موجودة في 17 دولة. فإيران الضالعة بشكل عميق في لبنان وسوريا، التي تكلف الخزينة نحو 2.8 مليار دولار سنويا، وفقا لتقديرات متحفظة، يتم جرها إلى المستنقع العراقي على أمل السيطرة على ممر يمتد من الحدود الإيرانية العراقية حتى سوريا ولبنان.

من أجل تحقيق التوازن في ميزانيته، قام روحاني بشيء آخر. ولم يكن هذا الشيء سوى تجفيف تحويلات الأموال إلى صندوق احتياطي عائدات النفط الذي أنشأه أحمدي نجاد من أجل أوقات الحاجة، ولكنه يُنظر إليه الآن على أنه صندوق من البسكويت ينبغي الهجوم عليه الآن.

وهناك حيلة أخرى استعان بها روحاني، وهي خفض كثير من صور الدعم التي تساعد أفقر فقراء الإيرانيين على البقاء على قيد الحياة. يتمثل أحد الآثار الفورية لهذا القرار في ارتفاع بنسبة 30 في المائة في أسعار الخبز، الذي يعد الغذاء الأساسي لنسبة 90 في المائة من الإيرانيين.

حتى ذلك الحين لا تشكل الأرقام مبلغا ببساطة. فحساباتنا تقول إن الميزانية المقترحة يوجد بها زيادة في العجز بنسبة 7.8 في المائة.

ويستند مشروع الميزانية على أمل بأن يتم تغطية العجز الذي لا مفر منه، عن طريق زيادة الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية وإصدار جيل جديد من سندات الخزينة.

لن يكون روحاني أول من يستعين بهذه الحيلة. لقد مارس جميع رؤساء الدولة الخمينية ما يمكن تسميته «التقية» الاقتصادية من أجل الحصول على ميزانيات متوازنة.

كما يعول روحاني على حدوث مزيد من الانخفاض في قيمة العملة، الريال. فإيران تجد نفسها في وضع غريب ترى فيه الحكومة مصلحتها في تراجع عملتها. ويعود السبب في هذا إلى أن الحكومة تستطيع الحصول على مزيد من الريالات مقابل دولاراتها. وهكذا، يمكن بسهولة تلبية وعد روحاني بزيادة أجور القطاع العام بمعدل 14 في المائة عن طريق خفض قيمة الريال بنسبة 20 في المائة. ومع وجود تقديرات تشير إلى تضخم بنحو 20 في المائة، سيزيد معدل فقر العاملين في القطاع العام في النهاية بمعدل 6 في المائة على الأقل.

في أفضل الظروف، تساوي قدرة الدولة الإيرانية على جمع الضرائب بجميع أنواعها 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، لم تصل أي حكومة على الإطلاق، لا في عهد الشاه أو تحت حكم رجال الدين، قرب هذا المعدل. ومع ذلك، فإن النموذج الاقتصادي الإيراني يعد اشتراكيا مثقلا. أتذكر زيارة قامت بها في عام 1978 السيدة ثاتشر، التي كانت في ذلك الحين زعيمة لحزب المحافظين البريطاني، ولم تكن قد تولت رئاسة الوزراء بعد، وسخرت خلالها من القادة الإيرانيين لأنهم أنشأوا اقتصادا «أكثر اشتراكية من الاقتصاد الموجود في بولندا»، التي كانت ترزح في ذلك الحين تحت الحكم الشيوعي. ورغم أن هذه العبارة لم تكن دقيقة، فإنها أصابت شيئا من الحقيقة.

ومع ذلك، فإن الفرق بين الماضي والحاضر يتمثل في أنه في عهد الشاه كانت الدولة تهيمن بالفعل، وسيطرت إلى حد ما على الاقتصاد.

أما تحت حكم الملالي، فلقد أصبحت الدولة لاعبا واحدا بين كثير من اللاعبين. اللاعبون شبه الحكوميين، وخصوصا الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات الثورية وشبكة الشركات التي ترفع تقارير إلى «المرشد الأعلى» والإمبراطوريات التجارية التي يسيطر عليها الملالي، لا يدفعون ضرائب للدولة، ويمكن اعتبارهم حتى الآن جزءا من القطاع العام. إنهم يشكلون «اقتصاد خفيا» موازيا تبلغ قيمته ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويا.

حتى في القطاع الخاص، تعلم الكثير من رجال الأعمال الالتفاف على الدولة من خلال إنشاء شركات من المفترض أنها تحمل رسالة دعوية دينية. وبدلا من دفع الضرائب للدولة، فإنهم يزعمون أنهم يدفعون «سهم الإمام» إلى الملالي، ويرفضون نشر حساباتهم.

لك أن تسميها «اشتراكية إسلامية»، إذا كنت ترغب في ذلك، ولكن النظام الذي يطرح روحاني على أساسه ميزانيته ما هو إلا وحش غريب يكون فيه الدين في خدمة الأعمال.

يزعم البعض في الغرب أن الإسلام في حاجة للفصل بين الدين والسياسة. ومع ذلك، في الحالة الإيرانية على الأقل، الأكثر إلحاحا هو الفصل بين الدين والأعمال.

arabstoday

GMT 02:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا فى السياق العربى

GMT 02:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

«ماكينات» الفكر

GMT 01:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أوضاعها تُدمى القلوب!

GMT 01:55 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

إصلاح فلسطين وإسرائيل والإقليم!

GMT 01:51 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

المسكوت عنه فى الخطاب السياسى الجديد فى دمشق

GMT 01:45 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الرياضيين المصريين فى مائة عام

GMT 01:35 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

« جورنيكا » الفلسطينية

GMT 01:33 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

روسيا اتهزمت يا رجالة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ميزانية لنظام اقتصادي غريب إيران ميزانية لنظام اقتصادي غريب



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab