تركيا تلك هي الصحافة

تركيا: تلك هي الصحافة!

تركيا: تلك هي الصحافة!

 العرب اليوم -

تركيا تلك هي الصحافة

أمير طاهري

تلك هي الصحافة يا صغيري٬ وليس باستطاعتك فعل شيء حيال ذلك!».. بهذه العبارة وقف همفري بوغارت٬ الذي كان يلعب دور رئيس تحرير إحدى الصحف٬ في وجه رئيس عصابة إجرامية يتزعم أكبر مخطط فساد واحتيال على مستوى المدينة.

وخلال أحداث الفيلم٬ يظهر العدد الأخير من الصحيفة قبل وقوعها تحت سيطرة زعيم العصابة الذي اشتراها كي يخرس كل الألسنة ضده٬ حاملاً على صفحاته تفاصيل جرائم العصابة٬ بما في ذلك جريمة قتل. يحمل الفيلم عنوان «ديدلاين ­ يو إس إيه»٬ إنتاج عام ٬1952 وقد يمثل أفضل ما أنتجته هوليوود عن دور الصحافة.

وتدور أحداث الفيلم حول فكرة بسيطة هي: ما دام بقيت ولو صحيفة واحدة تملك الشجاعة للوقوف في وجه الكبار والأقوياء٬ سيبقى المجتمع بأكمله في مأمن.

ومع ذلك٬ حمل الفيلم أيًضا تحذيًرا مبطًنا مفاده بأنه ينبغي ألا تكون لدى الصحيفة أجندة خفية تربطها بتكتل بديل من المصالح غير المشروعة٬ بمعنى أنه كي تحارب الدنس يجب أن تكون أنت نفسك نقًيا.

تذكرت هذا الفيلم مؤخًرا عندما قررت الحكومة التركية فرض سيطرتها على صحيفة «زمان» اليومية الصادرة في إسطنبول٬ بناًء على ذريعة واهية بأنها «تقوض الأمن الوطني».

وفي غضون 24 ساعة٬ تحولت صحيفة كانت من أشد منتقدي سياسة الرئيس رجب طيب إردوغان إلى صحيفة شديدة التملق على نحو مبتذل

كما أثار الخبر في ذهني ذكريات تعود إلى ثمانينات القرن الماضي٬ عندما قضيت وقًتا طويلاً في تركيا بصفتي عضًوا في مجلس إدارة «المعهد الدولي للصحافة»٬ وحضرت خلال تلك الفترة محاكمات لصحافيين تعرضوا للسجن من قبل نظام الجنرال كنعان إيفيرين العسكري.

وبطبيعة الحال٬ أثار هذا الاستيلاء الوحشي على «زمان» حفيظة جميع الصحافيين وعاشقي الصحافة بمختلف أرجاء العالم٬ لكن ماذا لو أن مالكي الصحيفة٬ وإلى حد ما٬ العاملين بها متورطون أيًضا في اغتيالها٬ وإن كان عن غير قصد؟ في خضم حملتها ضد النظام العسكري في ثمانينات القرن الماضي٬ لم تطلب الصحافة التركية٬ أو على الأقل الفئة التي كانت مستعدة للقتال٬ أي شيء بخلاف الحق في القيام بعملها على الوجه المناسب٬ من حيث رصد والتعليق على ما يجري داخل البلاد.

ولم يكن للصحافيين الذين تعرضوا للسجن أي مصالح شخصية وراء ما قاموا به.

وفي بعض الحالات٬ واجهوا اتهامات كانت بمثابة فضائح شائنة تماًما للنظام. على سبيل المثال٬ اتهم نادير نادي٬ ناشر صحيفة «جمهورييت»٬ بـ«التحريض على الفتنة» لنشره كلمة «كردي» في واحدة من مقالاته الافتتاحية.

وفي حالات أخرى٬ ألقي القبض على صحافيين لتعبيرهم عن آراء سياسة مشروعة في إطار الدستور. على سبيل المثال٬ حوكمت نازلي إليغاك من صحيفة «تركومان» (وتعني «التفسير») التي تأسست عام ٬1986 لانتقادها استغلال المؤسسة العسكرية العلمانية ذريعة لفرض نظام سلطوي. 

إلا أنه في كل الحالات٬ ورغم تمسك الصحف المعنية بمواقف واضحة حيال قضايا محورية٬ فإن أًيا منها لم يكن قط «واجهة» لأي حزب سياسي أو مجموعة مصالح. والمقصود بـ«الواجهة» هنا التظاهر بعدم الانتماء إلى أي حزب سياسي أو توجه معين٬ بينما في واقع الأمر تعمل الصحيفة بوصفها أداة دعائية لأحزاب أو فصائل سياسية بعينها. جدير بالذكر أن الدستور التركي يبيح٬ بطبيعة الحال٬ امتلاك الأحزاب والحركات السياسية منشورات تعبر عنها.

بالنسبة لـ«زمان» فقد جاء إطلاقها على يد جماعات إسلامية في وقت كانت محرومة بأوامر من المؤسسة الحاكمة٬ المدعومة من السلطة العسكرية٬ من التعبير عن آرائها والتشارك في السلطة.

ويدين زعماء إسلاميون٬ مثل نجم الدين أربكان٬ الذي تولى رئاسة الوزراء لفترة قصيرة٬ وإردوغان٬ الذي اكتسح انتخابات عمدة إسطنبول٬ أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان٬ بجزء من نجاحهم لدعم «زمان» لهما والمنشورات الأخرى المشابهة الموالية للتيار الإسلامي.

ورغم بعض التغطية القوية والمقالات الافتتاحية النارية٬ لم تنفض «زمان» عنها هويتها باعتبارها لساًنا للحركة الإسلامية في تركيا. وفي بعض الحالات٬ شنت حرًبا غير مباشرة ضد صحف علمانية مثل «جمهورييت» و«حرييت».

وقد نجح خطابها حول إمكانية إعادة إحياء «الشخصية الإسلامية» لتركيا داخل إطار العمل السياسي العلماني بها في تحقيق أول نصر انتخابي عندما فاز حزب العدالة والتنمية٬ بقيادة إردوغان٬ في الانتخابات العامة عام ٬2002 وشكل أول حكومة إسلامية منذ تلك التي ترأسها عدنان مينديريس عام 1960.

 ويدين إردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي فاز في ثلاثة انتخابات عامة أخرى بكثير إلى حركة «هزميت» (تعني «الخدمة») التي قادها فتح الله غولن٬ وهو عالم إسلامي يعيش حالًيا في المنفى في بنسلفانيا بالولايات المتحدة. وكانت «زمان» واحدة من المنشورات الكثيرة التي ربطها الشعب بـ«هزميت»٬ التي أطلقت بهدف الترويج لرؤية الحركة لإعادة أسلمة تركيا.

وعلى امتداد سنوات٬ تجاهلت «زمان» أو حتى ساقت تبريرات لتحول إردوغان البطيء والمستمر نحو الحكم الاستبدادي. وعلى نحو خفي غير ملحوظ٬ أضافت الصحيفة نكهة إسلامية إلى جميع أخبارها وموادها٬ واستخدمت في مواجهة أنصار النظام العلماني ذات الحيل التي استخدمها العلمانيون ضد الإسلاميين في الثمانينات.

وعندما كان صحافيون يتعرضون للسجن لانتقادهم الجنوح الإسلامي لنظام حزب العدالة والتنمية٬ كانت الصحيفة تغض الطرف.

بعد ذلك٬ جاءت اللحظة المحتومة٬ إذ اندلع خلاف بين غولن وإردوغان٬ يقال إنه في حقيقته نزاعات بين داعمي كل منهما من أصحاب الأعمال.

وعليه٬ حولت الصحيفة نفسها من صحيفة داعمة للحكومة إلى أخرى منتقدة لكل خطوة يخطوها إردوغان. وبناًء على أدلة سرقتها حركة «هزميت» من الحكومة٬ كشفت الصحيفة قضايا فساد٬ بهدف تقويض سلطة إردوغان. وبدا واضًحا أنه حال توجيه ضربة قاسية إليه٬ سيرد حزب العدالة والتنمية بالمثل٬ ما فعله بالضبط بإغلاقه «زمان».

ما حدث لـ«زمان» أمر لا يمكن تبريره على الإطلاق٬ وكذلك الحال مع حملة التطهير بحق أنصار حركة «هزميت» بمختلف مستويات الجهاز الإداري للدولة التركية٬ لكن تبقى الحقيقة أن ما نعانيه الآن هو صراع على السلطة داخل ذات الجمهور الانتخابي٬ في محاولة لتحديد من يحصل على النصيب الأكبر من الكعكة.

لقد لعبت «زمان» دوًرا كبيًرا في الترويج لفكرة أن الدين سيوحد تركيا في وقت كانت بحاجة إلى تناغم وطني لمواجهة تحدي التحديث في عالم يعج بالأخطار.

إلا أن تجربة الصحيفة ذاتها تكشف أنه بدلاً من توحيد صفوف الأتراك٬ فإن الدين قسمهم على نحو لم يعايشوه من قبل. وتقع المسؤولية عن ذلك على عاتق من يحولون الدين إلى آيديولوجيا بهدف تحقيق مآرب سياسية. في ذلك الإطار٬ دائًما ما تبرر الغاية الوسيلة٬ بما في ذلك الألاعيب القذرة التي تمارسها بعض الصحف والانتقام الحكومي منه

arabstoday

GMT 06:21 2022 السبت ,05 شباط / فبراير

غاز إسرائيل وسلاحها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا تلك هي الصحافة تركيا تلك هي الصحافة



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:03 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مجلس الأمن يحذر من محاولات تفكيك أو تقليل عمليات الأونروا
 العرب اليوم - مجلس الأمن يحذر من محاولات تفكيك أو تقليل عمليات الأونروا

GMT 17:16 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي
 العرب اليوم - عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز الـ 82 عاما

GMT 17:23 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 02:00 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مقترح أميركي جديد لهدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن

GMT 14:36 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"

GMT 16:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عبده يفجّر مفاجأة لجمهوره بعد رحلة علاجه من السرطان

GMT 19:44 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إدانة خليجية جماعية للهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران

GMT 05:47 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تطلّ بالكوفية الفلسطينية في مهرجان الجونة

GMT 07:03 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طريقان لا ثالث لهما أمام إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab