قرى أوباما البوتمكينية

قرى أوباما البوتمكينية

قرى أوباما البوتمكينية

 العرب اليوم -

قرى أوباما البوتمكينية

أمير طاهري

في تعليقه على الأزمات المتعددة التي يواجهها العالم اليوم، كثيرًا ما كان الرئيس باراك أوباما يزهو بـ«دبلوماسية القرن الواحد والعشرين» التي ينتهجها والتي من المفترض أنها تناقض المدرسة القديمة التي، حسبما يزعم، لا بد أن يتم إلقاؤها في مزبلة التاريخ.

على نحو ما، نجح أوباما في الترويج لطريقة دبلوماسية جديدة تقوم على الاعتقاد بأن التصور أكثر أهمية من الواقع؛ فالمهم هو كيف تبدو الأشياء، وليس ما تكون عليه فعلاً. وكمفهوم، فإن هذه الرؤية للعالم الحديث قد تشكلت على يد الكاتب الفرنسي غاي ديبور في كتابه الآسر، الصادر عام 1967 بعنوان «مجتمع الفرجة». في هكذا مجتمع ليس ثمة صواب وخطأ، ولا خير وشر. فقط هنالك ما يبدو أنه خير وما لا يبدو كذلك. فالمهم هو سطح الأشياء، الواجهة والديكور.

من أهم افتراضات ديبور أن المتفرج، ولنقل الجمهور على عمومه، لديه فترة اهتمام قصيرة للغاية، وغير قادر على الإلمام بقدر كبير جدا من الصور لوقت طويل. اجعلهم سعداء في اللحظة وفي الغد يكون شأن آخر.

الروس بدورهم، لديهم عبارة رائعة لوصف طريقة أوباما: دبلوماسية بوتمكين.

رسم غريغوري بوتمكين، وكان وزيرا لدى إمبراطورة روسيا كاثرين الثانية، عالما افتراضيا للإمبراطورة الساذجة. كان يوظف خبراء في ديكورات المسارح لابتداع قرى نموذجية على الطرق المختارة لجولاتها إلى الأقاليم، يقطنها سكان مؤقتون يتم استجلابهم من موسكو، ويظهرون بمظهر الفلاحين السعداء الذين يهللون لمرور الموكب الإمبراطوري. كان أولئك السكان المؤقتون يربحون أموالا لا بأس بها، وكانت الإمبراطورة سعيدة، بينما استطاع بوتمكين أن يطل بمظهر رجل الدولة.

هذا هو ما ظل أوباما يمارسه على صعيد السياسة الخارجية الأميركية على مدى السنوات السبع الماضية.

بالنسبة إلى أوباما، كانت «مبادرة السلام» أول قرية بوتمكينية، إذ أطلقها على وقع صخب كبير، ووعد بتدشين دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل في غضون عام. أما أبواقه في الإعلام الأميركي فوصفوه بـ«رئيس السلام». وقد جعل على رأس المشروع واحدا من أبرز رجال الدولة الموقرين في التاريخ الأميركي الحديث، هو السيناتور جورج ميتشل. ولكن ما وإن انسدل ستار العرض، نسي أوباما الأمر برمته إلى حد أنه لم يجد وقتا لمقابلة ميتشل المصاب بخيبة الأمل والذي اضطر إلى الرحيل.

والقرى البوتمكينية الأخرى لدى أوباما تشمل بورما وكوبا، اللتين يشير إليهما باعتبارهما اثنتين من نجاحاته. وواقع الحال أن تملق أوباما للحكام المستبدين في كلتا الحالتين لم يؤد إلى أي تغيير بخلاف الواجهة. في بورما أضحت الطغمة العسكرية أكثر سيطرة على مقاليد الأمور من أي وقت مضى، ومجزرة أقلية الروهينغيا مستمرة من دون هوادة. أما في كوبا، فتواصل زمرة آل كاسترو الحكم بقبضة حديدية وبناء سجون جديدة.

وفي شأن أوكرانيا، جاءت قرية أوباما البوتمكينية في هيئة لواء أميركي تم إرساله إلى ست دول أوروبية، وهي خطة جعلت حتى بوتين، متصلب الوجه، يبتسم. وفي سوريا، جرى تدشين قرية أوباما البوتمكينية على وقع صوت وغضب «الخطوط الحمراء» التي ذكرها، وانتهى الحال إلى الاختباء وراء الروس على طريقة ميكي ماوس، خلال «عملية جنيف» المجهضة.
أما آخر قرية بوتمكينية، والتي ربما نالها النصيب الأكبر من الترويج، فهي ما يسمى بـ«الاتفاق» الذي من المفترض أن يمنع إيران من بناء قنبلة نووية كانت تقول دائما إنها لا ترغب في بنائها.
جاوز أوباما بهذا الأمر عدة عقبات وبأسرع ما أمكنه ذلك.

لقد جرى تقديم نص غامض لم يوقع عليه أي شخص على أنه «اتفاق» قبل أن يتم استخدامه كأساس لقرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وكان القرار مطلوبا لسببين:

أولا، من شأن القرار أن يسبغ إجراء قانونيا على «اتفاق فيينا»، الذي لم يكن وثيقة قانونية، والذي تفاوضت عليه مجموعة 5+1 وهي في حد ذاتها كيان مؤقت ليس له وجود قانوني. ثانيا، من شأن القرار أن يجعل أي معارضة من جانب الكونغرس غير مؤثرة من الناحية القانونية. وكانت هذه أول مرة في التاريخ يستخدم فيها رئيس أميركي هيئة دولية، وهي في هذه الحالة مجلس الأمن الدولي، لتجاوز الرغبات المنظورة لجهة التشريع الأميركية.

وكراع لمشروع القانون وعضو دائم بمجلس الأمن في آن معا، عملت الولايات المتحدة على الترويج لنص القرار والتصويت عليه. ومع هذا، فإيران، وهي ليست عضوا بمجلس الأمن، لم تكن مضطرة إلى التصويت ومن ثم تحتفظ بخيار قبوله أو رفضه.
تلك النقطة أثارتها خلال السنوات القليلة الماضية شخصيات في المؤسسة الخمينية. فقد رفض «المرشد الأعلى» علي خامنئي أن يعتمد لا «الاتفاق» ولا مشروع القرار القائم عليه. كما أن كثيرا من كبار القادة العسكريين، بمن في ذلك قائد الحرس الثوري، الجنرال عزيز جعفري، ووزير الدفاع حسين دهقان، قالوا على الملأ إنهم لن يقبلوا بالقرار أبدا. وعين مجلس الشورى الإسلامي لجنة خاصة لـ«إعادة النظر» في كل من الاتفاق والقرار، وهو ما يوضح أنه بالنسبة إلى إيران، فإن شيئا لم يتم حسمه بعد.

وحتى وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد أبدت تحفظا في مراهنتها، في بيان مطول يعرض تفسيرا بديلا لنص القرار.

ويرفض النظام نشر النص الفارسي لـ«الاتفاق» أو مجرد السماح لأعضاء البرلمان بالاطلاع عليه.
إن الاستراتيجية التي تتبعها إيران هي تبني نهج يقوم على «الانتقاء والاختيار» في كل شيء، فهي تقبل من «الاتفاق» ما يروق لها، مثل تخفيف بعض العقوبات، وترفض الإجراء الذي من شأنه أن يضع إيران تحت «رقابة» قوى ست، خلال العقد القادم أو نحو ذلك. في الوقت ذاته، وعد أوباما بمنع الكونغرس من فرض عقوبات جديدة وهو يقوم بتخفيف العقوبات القائمة.

لا أعرف إن كانت القيادة الخمينية تريد بناء قنبلة أم لا. ولكن لو أنهم فعلوا، فإن قرية أوباما البوتمكينية لن تمنعهم من القيام بذلك في الوقت الذي يختارونه.

وفي نفس الوقت، يعزز الاتفاق موقف المتشددين في طهران الذين يعتقدون أنهم يمتلكون تفويضا مطلقا لتحقيق أحلامهم الإمبراطورية. فقد أعلن خامنئي بالفعل «منطقة نفوذه» في الشرق الأوسط وهو يحاول بناء ما يصفه مستشاره علي أكبر ولايتي بـ«تحالف إقليمي» تحت قيادته.

بكل صراحة، سيكون من الأفضل لو أن كيري وأوباما توقفا عن التورط في أمور لا هما يفهمانها ولا مهتمان بها فعلا، فقد جعلت «دبلوماسية بوتمكين» التي ينتهجانها من العالم مكانا أكثر خطرا.

arabstoday

GMT 04:52 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

القوة الناعمة: سناء البيسي!

GMT 04:48 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

قفزات عسكرية ومدنية

GMT 04:45 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

عن الأزهر ود.الهلالى!

GMT 04:30 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

خير الدين حسيب

GMT 04:21 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

صوت من الزمن الجميل

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرى أوباما البوتمكينية قرى أوباما البوتمكينية



ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:05 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

مصر تبحث تطورات المفاوضات الأميركية الإيرانية
 العرب اليوم - مصر تبحث تطورات المفاوضات الأميركية الإيرانية

GMT 03:01 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

استشهاد 70 شخصًا فى قطاع غزة خلال 24 ساعة

GMT 00:58 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

أوغندا تعلن السيطرة على تفشي وباء إيبولا

GMT 01:04 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

قصف مبنى في ضاحية بيروت عقب تحذير إسرائيلي

GMT 02:57 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الطيران الأميركي يستهدف السجن الاحتياطي

GMT 20:28 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

أخطاء شائعة في تنظيف المرايا تُفسد بريقها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab