كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد

كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد؟

كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد؟

 العرب اليوم -

كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد

بقلم - أمير طاهري

بعيداً عن تداعياتها السياسية على النظام الدولي، تحمل الحرب في أوكرانيا سمات لا حصر لها ينبغي أن تهم المحللين والمخططين العسكريين في جميع أنحاء العالم.
وتعد هذه المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي يجري فيها اختبار الجيش الروسي (الجيش الأحمر السوفياتي سابقاً) في ساحة المعركة ضد خصم متوسط الحجم في إطار حرب كلاسيكية.
في خمسينات القرن الماضي، خاض الجيش الأحمر حروباً حدودية أمام الصين الشيوعية، وتمكن من ضم أجزاء كبيرة من الأراضي عبر الحدود. إلا أن هذه لم تكن حرباً واسعة النطاق؛ لأن الصين، التي كانت أضعف كثيراً وكانت خالية في ذلك الوقت من الأسلحة النووية، تجنبت القتال بصورة حقيقية.
أيضاً في الخمسينات، دخلت دبابات الجيش الأحمر وارسو وبودابست وانطلقت في طريقها نحو سحق انتفاضات غير مسلحة مناهضة للشيوعية. عام 1968، جرى تنفيذ السيناريو نفسه في براغ، مع اجتياح الدبابات الروسية لسحق الثورة التشيكية.
وبالمثل، كانت الحرب الروسية في أفغانستان التي دامت 10 سنوات غير نمطية. وجرى توجيه الـ«دعوة» للجيش الأحمر للتدخل من قِبل النظام الشيوعي في كابل، ولم يكن يقاتل ضد جيش كلاسيكي. واعتمد الروس على نحو أساسي على قواتهم الجوية، وقصفوا المناطق المدنية، في الوقت الذي جرى فيه تخصيص الجزء الأرضي من العمليات للجيش الأفغاني وميليشياته الأوزبكية.
كانت الحربان اللتان خاضهما الجيش الأحمر في الشيشان كذلك من جانب واحد، وأعطت القوة النارية الروسية للغزاة تفوقاً هائلاً. رغم استمرار الحربين لسنوات عدة، فإنهما لم تشكلا اختباراً مناسباً للقدرات الروسية؛ لأن العدو كان يفتقر إلى الأسلحة الكافية واضطر إلى خوض شكل من أشكال حرب العصابات.
في جورجيا، اختارت روسيا هدفاً محدوداً: ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وأوقفت موسكو الحرب قبل أن يتمكن الجيش الجورجي الأضعف بكثير، والذي يعاني من نقص السلاح، من إعادة التنظيم والقتال.
في سوريا، استخدمت روسيا قوة جوية ضخمة لقصف أهداف باستخدام الجيش السوري ومرتزقة إيران من لبنان وباكستان وأفغانستان، وعناصر من «فيلق القدس» من إيران لتوفير جنود على الأرض.
وبالتالي، فإن الحرب في أوكرانيا توفر أول فرصة حقيقية لتقييم أداء الجيش الروسي في القتال الفعلي ولفترة زمنية ممتدة.
المؤكد أن المحللين والمخططين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لديهم وقت لدراسة كل تفاصيل هذه الحرب التي تتيح كنزاً من المعلومات حول الأسلحة الروسية والاستراتيجية والتكتيكات وأنظمة القيادة والسيطرة والعقيدة العسكرية.
الحقيقة، أن الطريقة التي أدار بها فلاديمير بوتين، كقائد أعلى للقوات المسلحة، هذه الحرب تثير الحيرة.
بدأ بوتين بتسميتها «عمليات خاصة»؛ حتى لا يضطر للحصول على موافقة البرلمان الروسي (الدوما) لشن الحرب. وربما كان هذا لأنه توقع إحراز نصر سريع، ولم يرغب في مشاركة المجد مع أي شخص آخر.
كما رفض بوتين تسمية قائد عام للقوات التي اجتاحت أوكرانيا. وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ الحرب التي لا يجري فيها تحديد القائد العام، ناهيك عن تمجيده. وهذه المرة ليس لدينا مكافئ للفيلد مارشال جوكوف الذي يسير إلى برلين، ناهيك عن الجنرال كوتوزوف وهو يتألق في بورودينو.
يمكن وصف تفكير بوتين الاستراتيجي بأنه كان غير منظم، على أدنى تقدير، ولأنه لا يستشير أحداً، فمن الصعب تمييز نمط اتخاذ القرار المرتبط بالواقع.

وقد بدأ بوتين في حشد قوات كبيرة بالقرب من الحدود الأوكرانية مع روسيا وبيلاروسيا، ناهيك عن جيبي دونيتسك ولوغانسك، مع ذكر بأنه لم يكن ينوي سوى استعراض القوة من خلال «تدريبات عسكرية».
ولأنه لم يتم الكشف عن النوايا الحقيقية، يبدو أن العسكريين العاملين في الجيش الروسي قد جمعوا مجموعة من القوات تتنوع ما بين وحدات الشرطة الخاصة والمجندين من غير ذوي الخبرة من سيبيريا وتتارستان وقتلة محترفين من الشيشان.
وجرى إخبار القوات المجمعة بأنها ستجتاح أوكرانيا قبل يوم واحد فقط من تنفيذ هذا الاجتياح.
وما يبدو أن بوتين تجاهله أهمية التناوب في الحرب، ذلك أنه بعدما حشد أكثر عن 200 ألف جندي، يبدو أنه لم يدرك أنه سيحتاج إلى ثلاثة أضعاف العدد في الاحتياط لضمان التناوب المنظم داخل ساحة المعركة.
في الواقع، مقابل لكل جندي يخوض القتال، لدى الجيش جندي آخر يستريح ويتعافى من الجروح وإرهاق المعركة، أو ببساطة يعيد التدريب، أو ثالث يستعد للتدخل في أي لحظة.
الحقيقة، أن كل مساحة من الأرض تسيطر عليها، تحتاج فيها إلى ترك بعض الجنود خلفك لتطهيرها وإحكام السيطرة عليها؛ الأمر الذي يقلص القوات المتاحة لديك للتقدم نحو الأمام.
وربما يفسر عدم نجاح القوات الروسية على هذا الصعيد سبب إبطاء الاجتياح وفقدان بعض الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها سابقاً لصالح الأوكرانيين.
تمثلت مفاجأة أخرى في افتقار الجيش الروسي إلى العمود الفقري الذي يوفره ضباط الصف المحترفون. داخل الجيش الروسي، يتولى الضباط القيادة المباشرة للجنود العاديين، يبدو أن معظمهم مجندون يتسمون بمستوى بسيط من التدريب.
ومن المثير للدهشة كذلك الاعتماد على الدبابات القديمة إلى حد كبير، والتي تتطلب لوجيستيات معقدة لإعادة التزود بالوقود والإصلاح. وكانت مفاجأة أخرى أن الجيش الروسي يستخدم أنظمة وشبكات قديمة تسمح لأقمار التجسس الأميركية بالتنصت على جميع الاتصالات الروسية وتمرير جوهر الاتصالات إلى الجانب الأوكراني. وربما يطرح هذا أحد الأسباب وراء الخسائر الروسية الفادحة، بما في ذلك ثمانية جنرالات.
في الواقع، من الصعب تحديد حجم الخسائر الروسية، لكن حتى لو اعتمدنا على تقديرات متحفظة تستند إلى تسريبات رسمية روسية، سنجد أن الجيش الروسي تكبد خسارة بنسبة 20 في المائة في القتلى والجرحى، ما يعادل ضعف الحد الأقصى المقبول في المذاهب العسكرية الكلاسيكية التي تعتبر خسارة 10 في المائة، والمعروفة باسم الهلاك في المصطلحات العسكرية، الحد الأقصى الذي يمكن التسامح معه، وحال تجاوزه يتعين على الطرف المعني إما السعي لوقف إطلاق النار أو تغيير الاستراتيجية.
كان الجيش الروسي في أوكرانيا بمثابة أوركسترا من دون قائد ويفتقر إلى ورقة إرشادات واضحة.
ومن الصعب معرفة سبب البدء في العديد من العمليات المتباينة، ثم التخلي عنها أو سبب تدمير البنية التحتية التي قد تحتاج إليها القوات الروسية في مراحل لاحقة، ناهيك عن النصر المفترض، على نحو عشوائي.
ومن الأمور التي تثير الحيرة كذلك استخدام الحرف «زِد» بالإنجليزية على الدبابات والعربات المدرعة الروسية. ونظراً لأن الأوكرانيين يستخدمون نفس الدبابات والمركبات السوفياتية، فإن وضع الحرف «زِد» على المركبات العسكرية يتيح للجانب الروسي عدم مهاجمة قواتهم. إلا أن الأوكرانيين فطنوا للأمر ووضعوا حرف «زِد» على دباباتهم ومركباتهم؛ الأمر الذي أثار الارتباك في صفوف الروس خلال الهجمات المفاجآت.
الأمر الأشد إثارة للحيرة القرار الروسي الأخير بحفر الخنادق في مناطق مختلفة وتعدين العديد من الطرق الاستراتيجية كما لو كانوا يستعدون لإعادة تنفيذ الحرب العالمية الأولى.
يقدم بوتين مغامرته الأوكرانية على أنها «دفاع نشط»، وهي النسخة الروسية من شعار «الحرب الاستباقية» الذي روج له دونالد رامسفيلد، وكثيراً ما أسيء فهمه.
إلا أنه من الناحية العملية، فإنه بدلاً عن منع الحرب، أشعل بوتين فتيل حرب يبدو أنه غير قادر على السيطرة عليها.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد كيف أساء بوتين فهم رامسفيلد



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab