حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

حرب غزة... لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

حرب غزة... لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

 العرب اليوم -

حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

بقلم - أمير طاهري

مع دخول الحرب في غزة شهرها الثالث، تنشط متلازمة قصر فترة الانتباه التي أصبحت تميز عصرنا بكامل طاقتها، لتتحول الحرب إلى نسخة من الضجيج الدائر في الخلفية. وربما لاحظتم بالفعل أن الحرب تراجعت عن صدر الصفحات الأولى، وسقطت في عدة خانات في نشرات الأخبار التلفزيونية.

الأمر الأكثر إثارة للاهتمام أننا بدأنا نسمع أحاديث متزايدة حول اليوم التالي لهذا الصراع المأساوي، وذلك بافتراض أن القتال الفعلي على الأرض يتجه نحو خط النهاية، مثلما يوحي الحديث ضمنياً.

أما العناصر المشتبه بها المعتادة فيما يتعلَّق بجهود صناعة السلام في الشرق الأوسط، فقد شرعت بالفعل في إعادة تدوير أفكارها القديمة. على سبيل المثال، يبدو الرئيس الأميركي جو بايدن، أقرب إلى دمية تردد كلام باراك أوباما، في أثناء حديثه عن «حل الدولتين: دولة للإسرائيليين وأخرى للفلسطينيين».

أما مؤتمر التعاون الإسلامي، فتولى تشكيل لجنة متعددة الجنسيات للتوصل إلى «صيغة سلام» مقبولة للجانبين. وفي بعض الحروب، لم يكن أولئك الذين أنهوا القتال باتفاق سلام هم أنفسهم الذين بدأوا الصراع وقادوا القتال بادئ الأمر. كما عاد النهج الدبلوماسي القديم الذي اتبعه هنري كيسنجر إلى مراكز الأبحاث، مع الحديث عن ضرورة اتخاذ إجراءات «خطوة بخطوة» تهدف إلى «بناء الثقة» بين نتنياهو والعقل المدبر، أياً ما كان، وراء هجوم جماعة «حماس» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

من جهتها، تتمتم الأمم المتحدة، التي أصبحت الآن صورة باهتة مما كانت عليه من قبل، تحت قيادة أمينها العام الذي يبدو أنه فقد بوصلته، بشأن تعيين مبعوث خاص؛ ربما يكون توني بلير، كما اقترحت بعض الأصوات القديمة.

ويدور حديث كذلك، خصوصاً في إسرائيل، عمّا يجب فعله بغزة بعد «حماس». ويتحدث البعض عن إعادة الاستعمار، أي إحياء المستوطنات الإسرائيلية التي فككتها الحكومة الإسرائيلية بوحشية عام 2006. والواقع أن هؤلاء المنخرطين في مثل هذه الأحاديث لا يذكرون أين يمكن أن نجد الأشخاص الراغبين في التحول إلى مستوطنين وسط كومة الركام الذي تحولت إليه غزة. وإذا جرى العثور على مثل هؤلاء المتطوعين المتحمسين، أفلا يشعرون بالقلق من مواجهة نفس المصير الذي فرضه آرييل شارون على المستوطنين الإسرائيليين في غزة؟

وهناك فكرة أخرى تتلخص في تسليم ما تبقى من غزة، عندما تضع الحرب أوزارها، للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. وقد يمنح ذلك السلطة الفلسطينية القدرة على تحرير نحو 1000 من كوادر حركة «فتح» والمتعاطفين معها الذين سجنتهم «حماس» في غزة. إلا أن التساؤل هنا: هل بإمكان السلطة الفلسطينية أن تقدم لغزة المدمَّرة الحكم الرشيد، في حين فشلت في ذلك داخل الضفة الغربية على امتداد أكثر عن ربع قرن، رغم أن السلام يسودها إلى حد كبير؟ كما نسمع حديثاً عن إعادة غزة إلى السيطرة المصرية، وهي فكرة غبية بكل المقاييس.

وهناك كذلك فريق مفرط في التفاؤل يتحدث بالفعل عن إعادة إعمار غزة. وينسى هؤلاء المتفائلون أنَّ ما حوَّل غزة إلى حفرة من الجحيم، لم تكن الضائقة الاقتصادية. في الواقع، قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كان معدل البطالة في غزة أقل من نظيره في الضفة الغربية والأردن ومصر. وفي الربعين الأولين من عام 2023 نما اقتصاد غزة بنسبة 4 في المائة، بينما ظل اقتصاد الضفة الغربية ثابتاً تقريباً.

وبفضل التبرعات السخية التي قدمتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والاتحاد الأوروبي وقطر والسلطة الفلسطينية، والدخل المعاد لنحو 100000 من سكان غزة العاملين بالخارج، بينهم 25000 يعملون داخل إسرائيل، والإيرادات الجمركية من الحكومات الإسرائيلية، أصبح دخل الفرد في غزة أعلى من المتوسط لأبناء معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ويوجد في غزة 36 مستشفى و1657 سريراً، وهو رقم أعلى من نظيره في مصر والأردن.

وبفضل المساعدات الدولية والتبرعات المقدَّمة من الأثرياء الفلسطينيين في أوروبا والأميركتين، احتلت غزة مرتبة متقدمة على الجمهورية الإسلامية في إيران، من حيث النسبة المخصصة للصحة والتعليم من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، لم تكن «حماس» بحاجة إلى تمويل جيشها والأنفاق التي حفرتها، من خلال الضرائب، إذ غطَّت طهران جزءاً كبيراً من التكلفة.

المثير أن الأسباب التقليدية للحرب من تنافس على الأرض، والوصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه و-أو الأسواق، لا تنطبق على غزة. في إطار الحروب العادية، يرغب المتحاربون في شيء ملموس يستطيع أيٌّ من الطرفين أن يقبله، عندما تتحول حسابات التكاليف والفوائد لصالح السلام.

إلا أن الحرب في غزة ليست حرباً عادية، فـ«حماس» ترغب في شيء ليس باستطاعة إسرائيل تقديمه، أي وجود «فلسطين من النهر إلى البحر».

في المقابل، ترغب إسرائيل هي الأخرى في أمر يتعذر على «حماس» قبوله: الانتحار الآيديولوجي بقبول السيطرة على غزة، مع نسيان «قضية» محو إسرائيل من على الخريطة. إذا قبلت «حماس» مثل هذه الصفقة، فسوف ينتهي بها الأمر كنسخة أخرى من حركة «فتح». وعليه، فإن محاولة القضاء على مثل الأسباب الوهمية، تعدّ في أفضل الأحوال ممارسة لا جدوى منها.

ومع ذلك، من الممكن أن ننحّي كل هذه الاعتبارات جانباً حتى يتسنى لنا التركيز على تقصير مدة موجة القتل الحالية. من جهتها، من الواضح أن الجمهورية الإسلامية في طهران تريد أن تستمر موجة القتل، وإن كان ذلك في شكل ما يصفها محللو «الحرس الثوري الإسلامي» الآن بأنها «حرب منخفضة الحدة».

مثلاً، كتب أحد محللي «الحرس الثوري الإيراني»، عبر موقع «فارس نيوز» الجديد، الأسبوع الماضي، أن طهران لا تتوقع انتصار «حماس»، لكنها تريد منها «مواصلة القتال لأطول فترة ممكنة، حتى يقتنع مزيد ومزيد من الإسرائيليين أن الخيار الأفضل هو الرحيل».

كما تتعهد طهران بإلقاء مزيد من أصولها الإقليمية، بما في ذلك «حزب الله» اللبناني والحوثيون اليمنيون وجماعات مختلفة في العراق وسوريا، في أتون المعركة، وإن كان ذلك بجرعة صغيرة، حتى لا يجري جرها هي نفسها إلى الحرب.

الفكرة أنه كلما طال أمد القتال، زاد الضرر الذي يَلحق بصورة إسرائيل في الداخل وعلى مستوى العالم أجمع. بمعنى آخر: إذا لم تتمكن من تحقيق النصر في ساحة المعركة، فحاول الفوز في الحرب الدعائية.

أما الرسالة القادمة من «حماس»، فهي أن جزءاً على الأقل من قيادتها مستعد للبقاء في هذه اللعبة القاتلة حتى إطلاق آخر الصواريخ والقذائف التي أمدَّتهم بها طهران. والآن، هل ستحاول إسرائيل تعديل استراتيجيتها لحرب طويلة ومنخفضة الشدة، كتكملة لحرب «المطرقة الكبيرة» الكلاسيكية التي ربما تكون قد حققت أهدافها الأولية بالفعل؟

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:34 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
 العرب اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab