الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه

الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه

الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه

 العرب اليوم -

الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه

بقلم - أمير طاهري

في اعتقادك، على من يقع اللوم عن الحرب في أوكرانيا؟
من وجهة نظر المعسكر الدولي لإلقاء اللوم على أميركا، تبدو الإجابة بسيطة: الولايات المتحدة هي المدانة في هذا الأمر. عند أحد طرفي هذا المعسكر، نجد العناصر المعتادة مثل الملالي الخمينيين، والاستبداديين في بورما، والماويين المتخلفين في إريتريا، وحاشية الأسد داخل دمشق، وأشقياء بيلاروسيا. ومن السهل على المرء تجاهل هذا المعسكر، نظراً لأن طبيعتهم المرتزقة واضحة.
بيد أنه على الطرف الآخر، يواجه المرء رواية مغايرة للأحداث في وقت يشار إليه بوصفه ينطوي على أكبر تحدٍّ يجابهه العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويرجع ذلك إلى أننا هنا نجد أشخاصاً يستغلون تسميات من عينة «المفكرين» و«كبار رجال الدولة» من أجل تبرير الاجتياح الذي شنه الجيش الروسي لأوكرانيا.
وروّج لهذه الرواية شخصيات مثل وزير الخارجية البريطاني السابق اللورد أوين، والبروفسور جون ميرشايمر والبروفسور ستيفن والت، والمرشحين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان وإريك زيمور وجان لوك ميلينشون، وكاتب العمود الصحافي البريطاني بيتر هيتشنز، وسلسلة من الشخصيات الأقل شهرة داخل أوروبا والولايات المتحدة.
الملاحَظ أنهم جميعاً يبنون روايتهم حول ثلاثة اتهامات أساسية.
يتمثل الاتهام الأول في أنه يجب النظر إلى الرئيس فلاديمير بوتين وروسيا بوصفهما ضحيتين للسعي النِّهم للولايات المتحدة إلى الهيمنة العالمية من خلال محاولة التقليل من مكانة روسيا باستمرار.
أما الثاني فيدور حول فكرة أنه من خلال محاولة ضم أوكرانيا إلى صفوفه، فإن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يشكّل تهديداً مباشراً للأمن الوطني لروسيا -تهديداً لا يمكن لأي قائد روسي تجاهله.
ويتمثل الاتهام الثالث في أن القادة الأوكرانيين، مدفوعين من واشنطن، رفضوا الاعتراف بحق روسيا في «إعادة ضم شبه جزيرة القرم، وهي جزء من الوطن الروسي اقتطعه نيكيتا خروشوف، وهو أوكراني شوفيني متنكّر في زي بلشفي، بعيداً عن روسيا الأم.
الآن، عند النظر إلى الاتهام الأول، سنجد أن العكس أقرب إلى الحقيقة. في الواقع، خرجت الإدارات الأميركية المتعاقبة، بدءاً من عهد جورج دبليو بوش، عن مسارها المألوف ليس فقط لتخفيف الصدمة التي سبّبها انهيار الإمبراطورية السوفياتية، وإنما كذلك للاعتراف بروسيا كخليفة شرعية للاتحاد السوفياتي فيما يتعلق بوضع «القوة العظمى».
ورغم أن روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي تضاءلت من حيث القوة الديموغرافية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، ظلت جميع المعاهدات والاتفاقيات الإجرائية المبرمة مع الاتحاد السوفياتي سارية. وعملت الولايات المتحدة عن قرب مع موسكو لتسهيل فترة الانتقال الصعبة التي واجهتها أوروبا عندما جرى حل حلف وارسو وتوسيع الاتحاد الأوروبي.
وحرصاً من جانبها على إبقاء روسيا «داخل المجموعة»، أطلقت الولايات المتحدة حملة من أجل نيل روسيا عضوية مجموعة السبع، وكذلك انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، إلى جانب معاونتها في فتح أسواق رأس المال العالمية أمام روسيا، وحثت الشركات الأميركية على الاستثمار بكثافة في تطوير الاقتصاد الروسي ما بعد الاتحاد السوفياتي.

 

وليس من قبيل المبالغة القول بأن ختم الموافقة الأميركي لعب دوراً رئيسياً في تشجيع الاستثمار الأجنبي، خصوصاً الأوروبي، وأعقب ذلك أكبر عملية نقل للتكنولوجيا شهدها تاريخ روسيا.
وفيما يخص الاتهام الثاني المتعلق باندفاع الناتو إلى ضم أوكرانيا، أو ما يسميه البروفسور ميرشايمر «التوسع المتهور»، واستفزاز بوتين، فإنه لا يَقلّ سذاجة عن الاتهام الأول.
بدايةً، حلف الناتو لا يوجه دعوة أبداً إلى أي دولة للانضمام لصفوفه، ويعني ذلك أن الأمر يعود إلى الدول الأخرى للتقدم بطلب نيل عضوية الحلف. وحتى يومنا هذا، لم تقْدم أوكرانيا على ذلك. وإذا فعلت ذلك، فمن الواضح أن طلب الانضمام للحلف لن يقابَل بالموافقة بموجب قواعد الناتو التي تستبعد أي دولة تواجه مطالب وحدويّة أو نزاعات إقليمية أخرى لم يتم حلها مع أي دولة أخرى.
وعلى امتداد ما يقرب من عقدين من الزمن، لم تعترض روسيا على توسع الناتو الذي شمل أعضاء سابقين في حلف وارسو. وفي عهد بوتين، أبرمت روسيا صفقة للتعاون مع الناتو في قضايا الأمن المتبادل، مع الاعتماد على اتفاقيات هلسنكي كمرجع تاريخي. عام 2002 التقى بوتين مع الأمين العام لحلف الناتو حينها، جورج روبنسون، وقال ساخراً: «ربما حان الوقت كي يوجه الناتو الدعوة لروسيا للانضمام إليه».
من ناحيته، لم يكن روبنسون متأكداً مما إذا كان هذا نهجاً أم فكاهة روسية سوداء، لكنه على أي حال حرص على تذكير بوتين بأن الناتو لم يوجه دعوة قط لأي دولة، وإنما ينظر في الطلبات المقدمة إليه.
على سبيل المثال، خلال قمة الناتو لعام 2008 في بوخارست، أعربت كل من جورجيا وأوكرانيا عن رغبتهما في التقدم بطلب لنيل عضوية الناتو، لكن طُلب منهما بهدوء عدم تقديم طلبات رسمية. وكان السبب غير المعلن وراء ذلك، استمرار المشكلات الوحدوية مع روسيا. من ناحيته، فسر بوتين ذلك على أنه رفض من جانب الناتو لكل من كييف وتبليسي، ما شجّعه على غزو جورجيا، والاستيلاء على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
أما تهمة «الاستفزاز»، فتخلو هي الأخرى من أي معنى حقيقي. ومع ذلك، حتى لو كان هناك استفزاز، ألا ينبغي توزيع اللوم على المحرّض والمستفزّ؟ أليس المتحرش الذي يدّعي أنه تعرض للاستفزاز لأن ضحيته كانت ترتدي ملابس مثيرة، يتحمل على الأقل ذات القدر من اللوم مثل الضحية؟
ومن دون أن تصرّح بذلك علانية، تدافع الجوقة المؤيدة لبوتين عن مفهوم جديد، وهو مفهوم السيادة المحدودة للبلدان التي كانت ذات يوم جزءاً من الإمبراطوريات القيصرية أو السوفياتية. ولا ينطبق هذا المفهوم على أوكرانيا وجورجيا فحسب، بل ينطبق كذلك على جمهوريات البلطيق وأعضاء أوروبا الشرقية في حلف وارسو البائد. وفي خطابه الأخير، وسّع بوتين هذا المفهوم ليشمل جمهوريات آسيا الوسطى وصربيا ومقدونيا وكوسوفو وألبانيا في البلقان.
وربما الأهم عن ذلك، هل ينبغي اعتبار «التهديد للأمن الوطني» ذريعة حصرية للرئيس بوتين؟
جدير بالذكر في هذا الصدد أن اتفاقية مونتفيديو لعام 1933 – 1934، نصّت في مادتها الثامنة على أنه «لا يحق لأي دولة التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى». وجرت صياغة هذا المبدأ للتعامل مع الثغرات في عصبة الأمم التي أسهمت في الحرب العالمية. وفي وقت لاحق، أصبح مبدأ أساسياً للأمم المتحدة والنظام العالمي الذي تشكل على امتداد سبعة عقود.
ولحسن الحظ، لم يكرر حتى المرشح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية إريك زمور، ادّعاء الرئيس بوتين أن أوكرانيا يحكمها نازيون جدد، ما يعني أن الحرب الحالية تمثل تكملة للحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، فإن الادعاء أن رفض أوكرانيا قبول خسارة شبه جزيرة القرم، ومن المفترض كذلك خسارة دونباس، ترك بوتين دونما خيار سوى الاجتياح يبدو أمراً مشكوكاً في صحته. ماذا سيفعل بوتين إذا غزت الصين روسيا لاستعادة السيطرة على الأراضي التي كانت ذات يوم صينية؟
وإذا قبلنا أن ما كان ينتمي لدولة ما لا يمكن أبداً أن ينتمي إلى دولة أخرى، فيجب تسليم شبه جزيرة القرم لتركيا كخليفة للخلافة العثمانية، أو حتى للتتار الذين حكموا شبه جزيرة القرم قبل العثمانيين. أما بالنسبة لعودة دونباس وقطع من جنوب روسيا إلى «أصحابها الأصليين»، فإن هذا يعني إحياء دولة القوزاق التي كانت تسيطر في السابق على كلٍّ من شبه جزيرة القرم ودونباس.
إنه لأمر عجيب، إن الكراهية للولايات المتحدة قد دفعت بالكثير من الأشخاص العقلاء إلى تأييد فكرة أن الرئيس بوتين يكابد مأساة كبرى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه الاجتياح الروسي بين المدافعين عنه ومناوئيه



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab