في باريس زهو باطل جديد حول فلسطين

في باريس... زهو باطل جديد حول فلسطين

في باريس... زهو باطل جديد حول فلسطين

 العرب اليوم -

في باريس زهو باطل جديد حول فلسطين

بقلم : أمير طاهري

بعد وعوده لأن يكون مختلفً وربما أكثر قتامة ­ من الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي. وبادئ ذي بدء٬ وعلى غرار ساركوزي٬ فلن يكون هولاند رئي ًسا لفترة ولاية ثانية على الأرجح. ولقد نال ساركوزي حظه الوافر من البطولة الزائفة الواهمة بقصف ليبيا٬ في حين أطلق هولاند العنان لقعقعات أسلحته الماضية في صحراء مالي الفقيرة. وخلال فترة رئاسته٬ بّدل ساركوزي ما بين الزوجات٬ كما أن هولاند استبدل بصديقته القديمة أخرى جديدة. وعانت كلتا الحكومتين من الفضائح المالية والجنسية من النوع الذي يجلب الخزي حتى على مروجي الشائعات المغرضين في بيزنطة القديمة.

والآن٬ ولكي يستكمل ما ينقصه من مماهاة ساركوزي المضحكة٬ يعقد هولاند مؤتمًرا دولًيا جديًدا حول فلسطين٬ وهي القضية التي تبعث شعو ًرا غريًبا من الارتياح والرضا عن الذات لدى النخب الراقية في المجتمعات الغربية من دون الخروج الحقيقي بأي نتائج فاعلة في أرض الواقع بالنسبة للقضية أو لأصحابها الفلسطينيين. غير ا وحيًدا و«كبي ًرا» هذه المرة؛ وهو أن ساركوزي عقد مؤتمره حول فلسطين قبل أعياد الميلاد في عام 2007 .أما هولاند فها هو ذا يعقد المؤتمر خلال أن هناك فارقً عطلة نهاية هذا الأسبوع٬ بعدما حضر بابا نويل٬ ثم ولى في سلام!

ولكن٬ حول أي شيء يدور هذا؟ اقترح جان مارك إيرولت٬ وزير الخارجية الفرنسي٬ مع حفنة من كبار المسؤولين الفرنسيين٬ عدًدا من «الأهداف»٬ ولقد ُطرحت كلها في صورة «تنويعات» تدور حول
تيمة السلام الشهيرة. وقال الوزير الفرنسي مصر ًحا بـ«أن هدفنا هو السلام العادل».

والمعضلة أنه لا يوجد ما يعرف بالسلام العادل٬ لمجرد أنه يخلق واقًعا جديًدا يحقق فيه أحد الطرفين المتحاربين المكاسب٬ في حين يعاني الطرف الآخر من الخسائر. وحتى إن تمكن من الحصول على كل ما يريد٬ فإن المنتصر لن يغادره شعور قائم بأنه فقد جز ًءا مهًما من غنائمه بصورة أو بأخرى. والطرف الخاسر٬ على الجانب الآخر٬ سوف يرى نفسه أي ًضا ضحية أكيدة للظلم٬ نظ ًرا لرضوخه اللازم لإملاءات الهزيمة.
ويواصل المسؤولون الفرنسيون الحديث كذلك عن «السعي وراء السلام التفاوضي». ومع ذلك فليس هناك ما ُيعرف أي ًضا بالسلام المتفاوض عليه٬ على الرغم من أن التفاوض بشأنها.

سبل إقامة العلاقات الجديدة بين الطرفين المتحاربين ممكنة ويجري فعلاً يبلغ تاريخ الحرب والسلام ما بلغه التاريخ البشري ذاته.

ولا يفرض السلام على الدوام إلا الطرف المنتصر بعد إقرار المنهزم بهزيمته. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية٬ شهد العالم كثي ًرا من الحروب التي أسفرت عن تغييرات جمة في الحدود الدولية والأقاليم المتعارف عليها في أكثر من 40 دولة حول العالم.

لها٬ حتى مع الضغائن والكراهية التي وفي كل حالة من هذه الحالات٬ُ يملي المنتصر٬ ولا بد٬ شروطه على المنهزم٬ ويدرك هذا الأخير ضرورة التعايش معها ووفقً تعتمل في الصدور.

على سبيل المثال٬ تستقر روسيا الآن على الأقاليم الشاسعة التي انتزعتها من الصين في حروب الحدود المشتركة خلال عقد الستينات من القرن الماضي. كما أنها ضمت إلى سيادتها أي ًضا مجموعة جزر الكوريل٬ التابعة بالأساس إلى اليابان٬ في عام 1945 .ناهيكم بذكر أقاليم أخرى انتزعتها روسيا٬ في الآونة الأخيرة٬ انتزا ًعا من دولتي جورجيا وأوكرانيا.

ومن جانبها٬ فإن الصين قد ضمت هي الأخرى قطاعات من مرتفعات كشمير ­ لاداخ من الهند٬ في حين اقتضمت على نحو هادئ أقاليم أخرى من دول مجاورة مثل فيتنام.

أي أن هناك دولتين تتمتعان بحق الاعتراض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي٬ وليستا الوحيدتين من حيث اقتطاع وضم أراضي الآخرين إلى سيادتهما الوطنية. وعلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية٬ ضمت تشيلي٬ في أميركا اللاتينية٬ المنفذ الوحيد لدولة بوليفيا إلى البحر إلى سيادتها٬ في حين اعتدت فنزويلا على أراضي كولومبيا بمساعدة الماركسيين من عصابات تهريب المخدرات.

وفي أوروبا٬ شهدت صربيا إقليم كوسوفو٬ الذي يحل منها محل «القلب الوطني»٬ُ يقتطع منها على نحو عنيف وُيلحق بدويلة صغيرة شبه مستقلة إلى الجوار منها وفي إقليم القوقاز٬ وبمساعدة من روسيا وإيران٬ تمكنت أرمينيا من ضم جيب كاراباخ المرتفع من دولة أذربيجان المجاورة. وتمتلئ الصحراء الأفريقية الكبرى بكثير من الأمثلة على التغيرات الناجمة عن الحروب التي تندلع بسبب الطموحات التحررية.

وكثير من الدول الأعضاء السبع والخمسين في منظمة المؤتمر الإسلامي ضالعة أي ًضا في النزاعات الإقليمية٬ بما في ذلك نزاعات داخلية فيما بينها. حتى حرب فيتنام ذاتها٬ لم تنته إلا بإعلان شمال فيتنام٬ الطرف المنتصر٬ عن فرض شروطها المتمثلة في ضم فيتنام الجنوبية٬ على الولايات المتحدة بصفتها الطرف الخاسر في الحرب!

ويمكن للمرء الاستشهاد بالاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل٬ من جانب٬ ومع مصر والأردن٬ من جانب آخر٬ كأمثلة واقعة على السلام التفاوضي. ولكن٬ وفي هذه الحالة أي ًضا٬ حقق الطرف المنتصر أهدافه وأملى شروطه٬ وكانت تشتمل على الاعتراف من جانب الدولتين المجاورتين لإسرائيل٬ في حين تتخلى مصر والأردن عن الهدف الأول من الحرب٬ وكان الحيلولة دون إعلان قيام دولة إسرائيل في المقام الأول. وما جرى التفاوض بشأنه لم يكن سوى إجراءات وشروط التنفيذ.

وفي مزاج أكثر شاعرية٬ تحدث المسؤولون الفرنسيون أي ًضا عن «سلام الشجعان». ومع ذلك٬ وبعيًدا عن الأدبيات والشعر٬ لم يعرف التاريخ يو ًما٬ هكذا سلاًما٬ فالشجعان لا يصنعون السلام٬ بل إنهم يتصارعون في قتال مرير حتى النهاية الدامية. ولا يصنع السلام في نهاية المطاف إلا الناجون من هذا القتال عن طريق إخماد أناشيد الحماسة ووأد أهازيج المجد الزائفة.

والسلام هو السلام٬ دواء مر لاذع٬ ذلك الذي يصفه المنتصر في الحرب ويتجرعه المنهزم على مضض وانكسار. وإلحاق أي نعت بلفظ السلام هنا يقضي ولا بد على كل معنى تحمله تلك الكلمة المجردة وينقلها من الواقع إلى العدم.

يعود السبب الجذري للمشكلة بين إسرائيل وفلسطين إلى التدخل السافر من قبل العالم الخارجي في القضية٬ لا سيما من منظمة الأمم المتحدة٬ وفي قلب «مقاربة» الحرب والسلام التي هي من أكثر المقاربات حميمية٬ وأكثر العلاقات حصرية بين الدول وبعضها.

وحال هذا التدخل على إسرائيل فرض شروطها بوصفها الطرف المنتصر في الحرب٬ كما فعل كل طرف منتصر قبلها في أي حرب دارت رحاها عبر صفحات التاريخ٬ ٬ ثم الأردن٬ ثانًيا٬ ثم السلطة الفلسطينية٬ أخي ًرا٬ بعدم الاعتراف بالهزيمة وقبول حالة الوضع الراهن القائمة الناجمة عن ذلك.

ثم أقنع هذا التدخل كلاً من مصر٬ أولاً وكانت النتيجة هي «الجمود» الذي لا يصنع أصحاب النيات الحسنة من فاعلي الخير في الخارج حياله أي شيء سوى الإيماءات الدبلوماسية الباردة مثل ما سنشهده في مؤتمر نهاية هذا الأسبوع في العاصمة الفرنسية.

وما لم يكن فاعلو الخير في باريس مستعدين للدخول في خضم المعترك الحالي وإجبار إسرائيل على المغادرة٬ فإن الحديث٬ كل الحديث٬ عن العودة إلى حدود عام 1967 ليست إلا ترهات مخادعة على أدنى تقدير ممكن. فحدود 1967 لم تكن سوى خطوط وقف إطلاق النار٬ وليست حدوًدا دولية بالمعنى المتفق عليه٬ وهي٬ في معنى من معانيها٬ تجسد حالة الوضع الراهن الهشة للغاية التي أسفرت عن اندلاع الحرب. وعلى أي حال٬ فلقد تُركت غزة٬ التي انتزعتها إسرائيل من مصر٬ لتلقى مصيرها المحتوم. ومن غير المرجح على الإطلاق أن ترغب مصر٬ الآن٬ في عودتها إلى سيادتها الوطنية مرة أخرى. ويتركنا ذلك مع الضفة الغربية التي اقتطعتها

.

إسرائيل من الأردن الذي كان قد اقتطعها بدوره من انتداب الأمم المتحدة قبلاً ولقد اعترفت مصر والأردن٬ إلى جانب الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية٬ منذ عام ٬1980 بوجود نظام سياسي فلسطيني مميز يمثل السكان العرب في الأراضي المحتلة.

وبالتالي٬ فإن أولئك غير المسيطرين على الجانب العربي من الحرب مفترض عليهم القيام بدور المنهزم بيد أن أولئك الذين شنوا الحرب في المقام الأول قد أبرموا «سلاًما» مع المنتصر.

وحتى تكون الأمور أسوأ مما هي عليه٬ يحث المجتمع الدولي الفلسطينيين على هتك الستار٬ حتى يبذل المنهزم قصارى جهده لحرمان المنتصر من جني ثمار انتصاره عن طريق خلق حالة جديد من الواضع الراهن التي تصب في صالحه.

والنتيجة الحتمية هي غرس السكين الحاد في الجرح المتقيح٬ مما يبعث بشعور مبتذل من الرضا عن الذات لدى كل من فرنسوا هولاند وباراك أوباما٬ عبر الخطابات الرنانة والمؤتمرات الفاخرة والقرارات الساذجة٬ في حين أن أصحاب القضية الحقيقيين٬ الفلسطينيين والإسرائيليين٬ لا يزالون يعانون في كل ساعة وحين من الآلام التي لا نهاية لها.

arabstoday

GMT 04:48 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 00:22 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بناء الجدران يصل إلى إيران

GMT 00:01 2024 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

فرنسا: نحو عام من الضباب؟

GMT 00:15 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

أوروبا بين الأمل والخوف

GMT 00:49 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تداعيات خطة بايدن لوقف الحرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في باريس زهو باطل جديد حول فلسطين في باريس زهو باطل جديد حول فلسطين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab