لعبة إيران المفضلة «فعلناها لكن لم نفعلها»

لعبة إيران المفضلة: «فعلناها... لكن لم نفعلها»

لعبة إيران المفضلة: «فعلناها... لكن لم نفعلها»

 العرب اليوم -

لعبة إيران المفضلة «فعلناها لكن لم نفعلها»

بقلم :أمير طاهري

كيف يمكنك نسب الفضل إليك في عمل مؤذٍ اقترفته؛ لكنك لا تود الاعتراف به؟

هنا تحديداً تكمن المعضلة التي يواجهها فريق التماس الأعذار لطهران، لدى مناقشتهم أحدث الأفعال الآثمة التي ارتكبتها طهران بالمنطقة، بما في ذلك الهجوم باستخدام صواريخ وطائرات «درون» ضد منشآت نفطية سعودية.

من ناحية، يرغب أنصار النظام الإيراني في نسب الفضل وراء الهجمات إليه، وإظهار النظام الخميني في صورة قوة كبرى، قادرة على رد الصاع صاعين في مواجهة أميركا «الشيطان الأكبر». كما يحاولون تصوير المرشد علي خامنئي في صورة القائد الشعبي النحيف الجسد، الذي يقف في مواجهة العملاق المتجبر.

إلا أنه من ناحية أخرى، يحاول أبناء الفريق ذاته تصوير إيران كضحية بريئة، مع تسليط الضوء على معاناة الأطفال الرضع، الذين يفترض أنهم لا يجدون الحليب المجفف، والنساء العجائز اللائي لا يجدن الأدوية اللازمة. أما الإطار العام لكل هذا فهو الادعاء بأن الجمهورية الإسلامية لم تقترف شيئاً على الإطلاق يستحق العقوبات، وأن الهجمات الأخيرة التي وقعت من فعل الحوثيين اليمنيين أو «حزب الله» اللبناني، أو قوات «الحشد» العراقي، أو ربما حتى جيش من الجن على غرار ما تصفه قصص «ألف ليلة وليلة».

ولا يقتصر هذا الخطاب المزدوج على مروجي الدعايات الداعمة للنظام الإيراني، وإنما امتد كذلك إلى بعض المعلقين الغربيين، الذين يعتقدون لأسباب تخصهم وحدهم، أن أي صراع تتورط فيه الولايات المتحدة، فإن اللوم ينبغي توجيهه إليها تلقائياً.

على امتداد الأسبوعين الماضيين، عمدت وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة النظام الإيراني لنشر مجموعة من المقالات والحلقات التلفزيونية، تروّج لفكرة «لوموا أميركا أولاً»، وتحتفي بالهجمات الأخيرة التي تعرضت لها ناقلات ومنشآت نفطية، باعتبارها رد فعل مشروعاً من جانب إيران على «الضغوط» الأميركية.

على سبيل المثال، خصصت صحيفة «كيهان» اليومية الناطقة بلسان المرشد خامنئي، صفحتها الأولى لتعليقات أدلى بها المذيع التلفزيوني (الأميركي المسلم) فريد زكريا، حول أن الجمهورية الإسلامية «من خلال تعطيلها الملاحة، وإسقاطها طائرة (درون) أميركية، وتفعيل قوى عميلة لها، والهجمات الأخيرة ضد منشآت نفطية سعودية»، أفقدت سياسة ترمب فاعليتها.

أيضاً، أوردت «كيهان» تعليقات لريتشارد هاس، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، يؤكد خلالها أن سياسة ترمب أخفقت، وأن إيران أظهرت قدرتها على الرد على نحو موجع.

كما نشرت وكالة أنباء «راجا نيوز»، التي يديرها «الحرس الثوري»، مقالاً لرويل مارك غيريشت، بدورية «فورين بوليسي»، أثنى على خامنئي باعتباره «القائد الأكثر نجاحاً في الشرق الأوسط، على مدار الأعوام الـ75 الماضية». وادعى غيريشت أنه من خلال الهجمات الأخيرة ضد ناقلات ومنشآت نفطية، تمكن خامنئي من «إذلال أميركا، وتوجيه ضربة للسعوديين الذين لا يودهم».

ونشرت (وكالة «فارس نيوز») التي يديرها «الحرس الثوري»، تحليلاً مشابهاً من «مجموعة الأزمات الدولية» هذه المرة، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل، يتولى تمويلها رجل الأعمال الأميركي جورج سوروس.

كما أشارت وكالة أنباء «إيرنا» الرسمية لمقابلة مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قال خلالها إن «فرع الزيتون» على الطاولة؛ لكنه حذر من احتمالية تفاقم التوترات على نحو أكبر، ولمح إلى أن الهجمات الأخيرة كانت على الأقل بإيعاز من طهران.

الملاحظ أن فريق التماس العذر لطهران من المولودين في إيران ويعيشون اليوم بالغرب، يمارسون لعبة «فعلتها؛ لكني لم أفعلها» هم أيضاً. مثلاً، استضافت وسائل إعلام إذاعية وتلفزيونية فارسية تديرها الحكومات الأميركية والبريطانية والفرنسية، مجموعة من الخبراء الحقيقيين أو المدعين، زعموا أنه بينما تأتي الهجمات الأخيرة انتقاماً من سياسة «الحد الأقصى من الضغوط» التي يمارسها ترمب، فإن الجمهورية الإسلامية لم تكن على علم بها مطلقاً.

وهاجم وزير سابق بالنظام الخميني، يعيش حالياً في لندن، من أشاروا لوجود نقاط ضعف هيكلية في الدفاعات الإيرانية، عبر التباهي بـ«دقة الهجمات الأخيرة وفاعليتها ضد منشآت نفطية سعودية».

وقال معلق في قناة «بي بي سي» بالفارسية، إنه خلال لقاء جمعه منذ وقت قريب بأحد المطارات مع عدد من المسافرين الإيرانيين العائدين للوطن، انضم إليهم في التهليل بالهجمات الأخيرة؛ لكنه بعد ذلك أخبرهم بينما غمز لهم بعينه، بأنه «لا ينبغي أن ندع العالم يعرف بأننا من فعلنا ذلك!».

في الواقع، يعتبر ادعاء الفضل عن عمليات إرهابية مع نفي التورط فيها في اللحظة ذاتها، تقليداً قديماً قدم الثورة الإيرانية ذاتها.

مثلاً، عام 1978 أضرم عملاء للخميني النار في دار سينما بمنطقة عبادان في إيران، ما أسفر عن مصرع أكثر من 400 شخص. وسارع الخميني الذي كان موجوداً في باريس حينذاك، لإلقاء اللوم على جهاز «السافاك» الاستخباراتي التابع لنظام الشاه. ولم تعترف الجمهورية الإسلامية بارتكابها الحادث سوى عام 2003، عندما أقرت بأن النيران أشعلها ثوريون خمينيون لم يدركوا حينها أن مخارج الطوارئ مغلقة.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، عندما شن «طلاب» غارة ضد السفارة الأميركية في طهران، واحتجزوا الدبلوماسيين بها رهائن، ادعى الخميني أنه لم يكن على علم بهذا الأمر؛ لكنه رغم ذلك أرسل مبعوثاً خاصاً له ليتولى إدارة المشهد.

وبمجرد أن أدرك أن الأميركيين لن يفعلوا شيئاً، أعلن الخميني أن غارة السفارة «فتح مبين» وإشارة إلى أن دينه سيغزو العالم.

وكانت تلك بداية الاعتماد على احتجاز رهائن، كملمح أساسي من ملامح الدبلوماسية الخمينية. وعلى مدار عقدين، دبرت طهران احتجاز أكثر من 100 رهينة من 22 دولة، غالبيتهم غربيون. ومع هذا، ظل النظام الإيراني ينفي طول الوقت تورطه في أي عمليات احتجاز رهائن، بينما تفاوض حول إطلاق سراح المحتجزين مقابل أموال وسلاح.

كما وقع أكثر من 12 هجوماً ضد سفارات أجنبية في طهران، وتعرض كثير من الدبلوماسيين الأجانب للاحتجاز لفترات قصيرة والضرب، خلال العقود الأربعة الماضية، في هجمات ألقي اللوم فيها على «عناصر مارقة» جرى تكريمها لاحقاً، وترقيتها داخل النظام.

تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أنه من بين 60 «طالباً» بدأوا عملية احتجاز الرهائن الأولى، 40 جرى تصعيدهم لمناصب كبرى، منها نائب رئيس، ووزير، ومحافظ، وجنرال بـ«الحرس الثوري»، وسفير.
كما قتل عملاء تابعون للنظام الخميني 117 منشقاً في 13 دولة، بجانب تركيا ودبي، ودائماً ما نسب النظام لنفسه الفضل، وأنكر في الوقت ذاته التورط في الأمر.

وعلى مدار أربعة عقود، مارس الملالي بنجاح، تكتيك «افعل وأنكر» بفضل تساهل، إن لم يكن جبن بعض القيادات الغربية، ومشاعر العداء المرضية تجاه الولايات المتحدة التي يبديها أشباه المفكرين في الغرب.
في الواقع، سقطت هذه القيادات الغربية ضحية للوهم الذي عبر عنه الرئيس جورج دبليو بوش، بعبارته الساذجة: «حسن النيات يخلق نيات حسنة!».

والواضح أن المفكرين الغربيين المعادين لأميركا أصبحوا يسوقون التبريرات للملالي؛ لأنهم أصبحوا ضحايا لعجزهم عن تخيل موقف قد تكون أميركا فيه سيئة؛ لكنها تقف في مواجهة عدو أسوأ.

جدير بالذكر هنا أن ستالين تحالف مع هتلر؛ لأن الحزب الشيوعي السوفياتي الذي كان يتزعمه نظر إلى أميركا «الإمبريالية» باعتبارها «عدواً لدوداً». وأشاد بعض المفكرين الغربيين بهذا التحالف للسبب ذاته.وبعد ذلك، أصبحت أميركا في مواجهة الرايخ الثالث. وفي وقت لاحق أصبحت أميركا في مواجهة الإمبراطورية السوفياتية، ثم في مواجهة الخمير الحمر، و«طالبان» الأفغانية، وصدام حسين. وفي كل من هذه الحالات، ورغم أن أميركا لم تكن قوة الخير الخالص، فإن عدوها آنذاك كان أسوأ بكثير.

وأخيراً، تكمن المفارقة في أن من يسوّقون المبررات لإيران لا يخدمونها بذلك. في الحقيقة، من خلال إقرارهم للأوهام التي تعيش فيها هذه الجمهورية وحمايتهم لها من النقد المستحق، فإنهم يشجعونها على الاستمرار في أسوأ ميولها ونزعاتها.. ميول ونزعات قد تكبد إيران والمنطقة أكثر بكثير مما قد يخطر ببالهم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعبة إيران المفضلة «فعلناها لكن لم نفعلها» لعبة إيران المفضلة «فعلناها لكن لم نفعلها»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 20:30 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط مسيرة تحمل أسلحة عبرت من مصر
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط مسيرة تحمل أسلحة عبرت من مصر

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab