إيران وحربها الثقافية

إيران وحربها الثقافية

إيران وحربها الثقافية

 العرب اليوم -

إيران وحربها الثقافية

بقلم:أمير طاهري

كان من المفترض أن يكون الأمر مجرد إعادة روتينية لعشرات التقارير الصحافية التي يقدمها التلفزيون الرسمي كل عام. والصيغة المستخدمة بسيطة: قاعة حفلات عامرة بجمهور مُنتقى بعناية من الحضور الذين يرددون: «الله أكبر، تحية للمرشد الأعلى!»، ثم يدخل «المرشد الأعلى»، ترافقه حاشيته من العسكر ورجال الدين، ليجلس على كرسي عالٍ، على منصة مرتفعة تواجه الجمهور في الأسفل من مسافة 10 أمتار.

مع دوران الكاميرات، يكرر «المرشد الأعلى» كلماته حول إذلال «الشيطان الأعظم» الأميركي ومسح «الكيان الصهيوني» من الوجود، وهو يدعو الشبان الحضور إلى الاستعداد للشهادة كسبيل مختصر إلى مكان مضمون في الجنة في العالم الآخر. وفي نهاية الاحتفال يصرخ الجميع: «تحية للمرشد الأعلى»، بينما يغادر «المرشد الأعلى» المنصة ترتسم على وجهه ابتسامة النصر.
لكن، في الأسبوع الماضي، لم تكن تلك الفقرة من ذلك المسلسل التلفزيوني، الذي يعود تاريخه إلى 34 عاماً، متوافقة مع السيناريو. في البداية، بدا الجمهور، المؤلف من مجندين شباب في «وحدة الباسيج»، العنصر الأساسي في الأمن، مترددين في الوقوف مع وصول «المرشد»، والأسوأ من ذلك، كانوا مترددين للغاية في الإعراب عن فرحتهم العارمة بوجوده.
حتى في ذلك الوقت، كان الأسوأ قادماً.
عندما طرح «المرشد الأعلى» حجته ضد التشاور مع الناس عبر الاستفتاء، شرع بعض الشباب من الحضور في الاستهزاء والاستهجان. وقد دُهش المرشد للغاية، وعلى نحو واضح، حين قال: «لا ينبغي لنا أن نضرب رؤوسنا في مواجهة بعضنا البعض». بعد ذلك، بينما استمرت صيحات الاستهجان في التوالي، وإن كانت بصورة مكتومة، أُعلن أن الجلسة انتهت، وتوجه على عجل إلى باب الخروج.
المشهد المذهل، الذي بُث على الهواء مباشرة، أُزيل في وقت لاحق من المواقع الرسمية، لكن ليس من دون الإعلان عن مرحلة جديدة من الصدام بين جيل جديد من الإيرانيين، وحكم الشيوخ الذي يترأسه آية الله علي خامنئي.
أكثر من 50 مليوناً من سكان إيران، البالغ عددهم 87 مليون نسمة، لم يولدوا عندما استولى الملالي على السلطة عام 1979، وهناك 10 ملايين آخرين من الأطفال أو المراهقين الذين يشعرون بالغربة في عالم يتخيله الملالي الطاعنون في السن، الذين يبدو أنهم ينتمون إلى عصر آخر، إن لم يكن إلى كوكب آخر تماماً.
كان للتوسع المذهل للفضاء الإلكتروني في إيران تأثيران حاسمان: أنهى احتكار الحكومة لمصادر المعلومات، وفتح نافذة على العالم الخارجي الذي يبدو أنه يعيش في منطقة زمنية مغايرة بالكلية. وكلّ مِن هاتين الحقيقتين الواقعيتين تعملان ضد نظام فشل في تطوير أي آلية للإصلاح، بعد أن أصابه الضمور الآيديولوجي منذ زمن.
اليوم، يشاهد التلفزيون الرسمي أقل من 20 في المائة من الإيرانيين، في حين أن المحطات التلفزيونية الفضائية الأجنبية، التي تُبث من بريطانيا والولايات المتحدة قد ضمنت جمهور المشاهدين في كل ركن من أركان البلاد تقريباً. ورغم الجهود المتكررة لإغلاق شبكة الإنترنت، فإن محطات التلفزيون الناطقة باللغة الفارسية في الخارج تزعم أن جمهور المشاهدين يتجاوز حاجز المليون مشاهد، حتى في برامج الأسئلة والأجوبة، حيث ينفق الإيرانيون ثروة طائلة على فواتير الهواتف للتعبير عن مظالمهم على شاشات البث التلفزيوني الحي.
لكن هذا ليس كل شيء. بفضل الوصول إلى الفضاء الإلكتروني، نجح بعض المؤثرين الإيرانيين في تأمين جمهور ضخم؛ الفتيات الصغيرات اللاتي يملكن حسابات على «تويتر» أو على «إنستغرام» يصلن إلى عدد من الناس أكبر من ذلك الذي يصل إليه «المرشد الأعلى» عبر وسائل الإعلام الرسمية باهظة التكاليف.
الموسيقيون الشعبيون يجتذبون جمهوراً أكبر بكثير من القرّاء الرسميين للنصوص الدينية أو الدعاة الذين تدفع لهم الحكومة أجورهم. تحولت أغنية بسيطة لنجم الأغنية الشعبية، الشاب شيروين هاجيبور، إلى ترنيمة وطنية بديلة، لتتفوق على النشيد الوطني الذي دام 44 عاماً من الإشادة بالإمام الخميني. وقد باع الشاعر والملحن الشهير شاهين نجفي مؤخراً أكثر من مليون نسخة في غضون بضعة أسابيع.
الصورة الجديدة التي ظهرت بها إيران في الفضاء الإلكتروني تجد أصداء في الحياة الواقعية. في آخر أعياد رأس السنة الإيرانية، في مارس (آذار)، تصدرت المواقع الإيرانية التاريخية، مثل «برسيبوليس»، عاصمة الإمبراطورية الأخمينية، و«باسارغاديا»، موضع دفن «كورش الكبير»، قائمة أكثر الأماكن زيارة في عموم البلاد. ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الإرشاد والسياحة، فقد اجتذبت أضرحة الشعراء، مثل «سعدي» و«حافظ» عدداً أكبر من الزوار مقارنة بضريح الإمام الثامن في مدينة «مشهد».
ثمة نوع آخر من البدع الجديدة، وهو أن يرتدي الشباب الإيرانيون أحدث الملابس والأزياء على الطراز العالمي، وأن يلتقطوا الصور الذاتية (سيلفي) لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. والفكرة هنا تتلخص في إظهار أن العديد من الشباب الإيرانيين، إن لم يكن الأغلبية، يرفضون نمط الحياة «الإسلامية» الأحادية الذي حاول النظام فرضه لأكثر من 4 عقود من الزمان. قالت فتاة صغيرة من بلدة ساحلية صغيرة في برنامج تلفزيوني مباشر مؤخراً: «نحن نعيش في القرن الـ21. وكل ما نطلبه هو أن نقرر لأنفسنا ما نرتديه، وكيف نعيش حياتنا دون أن نؤذي أحداً».
صورت وسائل الإعلام الدولية التوتر الحالي في المجتمع الإيراني بأنه حركة شعبية ضد غطاء الرأس المفروض رسمياً، المعروف باسم «الحجاب». لكن نظرة أدق تعكس أن هناك على المحك ما هو أكثر من ذلك بكثير. ففي كل يوم يمر يزداد عدد النساء اللواتي يتخلين عن «الحجاب»، في حين يتساءل الملالي ماذا يفعلون إزاء ذلك.
منذ بدء الاحتجاجات قبل 6 أشهر تقريباً، سقط 600 مواطن صريعاً على الأقل على أيدي قوات الأمن، واعتقل النظام 22 ألفاً آخرين، بحسب الأرقام الرسمية.
إنها حرب ثقافية تدور رحاها ما بين وجهة نظر عالمية واحدة يروج لها منظّرون خمينيون، ووجهة نظر أخرى يُدافع عنها أبطال ما يُسمى بـ«القومية الإيرانية».
بالنسبة للخمينيين، فإن إيران ليست أكثر من جزء من كيان عالمي مهمته نشر «الرسالة الحقيقية» إلى كل ركن من أركان العالم. يقول الدكتور حسن عباسي، أحد المنظرين البارزين للخمينية، المعروف باسم «كيسنجر الإسلام»، إن مصير إيران الواضح تحويل البيت الأبيض في واشنطن إلى حسينية، وإنهاء الهيمنة الأميركية العالمية! ويتحدث الرئيس الإسلامي إبراهيم رئيسي عن «إحراق تل أبيب ومسح حيفا من على وجه الأرض».
يرى الشباب الإيرانيون أن إيران تشكل واقعاً حقيقياً يتجاوز الجزء الإسلامي من هويتها المعقدة؛ فإيران هي «الكل»، بينما الإسلام في نسخته الخمينية هو مجرد «جزء» فقط.
تُظهر سلسلة من استطلاعات الرأي، على مدى العقود الثلاثة الماضية، أن «الشيطان الأعظم» الأميركي أكثر شعبية في إيران من فرنسا وألمانيا.
فجأة، أصبحت كل الأشياء الإيرانية موضع تقدير شديد. النصوص التقليدية حرفياً يُعاد تحريرها لتصل إلى القراء الذين نادراً ما شوهدوا يطالعونها من قبل. العمارة، والموسيقى، والفن، وحتى أساليب الطهي التقليدية تُعيد تأكيد وجودها كعناصر للهوية الإيرانية التي عادت إلى الحياة من جديد.
تُذكّرنا المساجلة الحالية ما بين الملالي الخمينيين والجيل الجديد من الإيرانيين بالحرب الثقافية (Kulturkampf) التي عاشتها ألمانيا إبان القرن التاسع عشر، عندما كان القصد من «العودة إلى أنفسنا» الحفاظ على الهوية الألمانية، في حين كانت الكنيسة الكاثوليكية تبشر بالتواصل وتبادل الأفكار والمشاعر من خلال المسيحية فقط.
لقد انتصر الألمان في تلك الحرب. وبقي علينا أن نرى ما إذا كان الإيرانيون سوف ينتصرون في معركتهم الثقافية في إيران.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وحربها الثقافية إيران وحربها الثقافية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab