إيران مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

 العرب اليوم -

إيران مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

بقلم : أمير طاهري

في الوقت الذي يستعد فيه أعضاء إدارة بايدن لمغادرة مناصبهم، يحاول بعضهم كتابة مقالات افتتاحية وإلقاء بعض الخطب لإسداء المشورة إلى فريق ترمب القادم بشأن جملة من القضايا. وجوهر رسالاتهم بسيط: افعلوا ما حاولنا فعله... ولكن فشلنا!

من بين هذه القضايا ذلك الصداع الدائم الذي تسببت به إيران لدى ثمانية من رؤساء الولايات المتحدة على مدى نصف قرن تقريباً.

يدعو ريتشارد نيفيو، وهو أحد المسؤولين المنتهية ولايتهم، والذي ترأس مكتب إيران في مجلس الأمن القومي، إلى «الحوار والمفاوضات» بحماسة طفل يسير في الشارع وينظر إلى نافذة متجر للحلوى. ولاقت حماسته صدى لدى الفريق الرئاسي الجديد في طهران. إذ يكتب محمد رضا عارف، الذي رقَّى نفسه ليصبح «نائب الرئيس» للرئيس مسعود بزشكيان، قائلاً: «نحن حريصون على الحوار والمفاوضات»، ويضيف أن الدبلوماسية توفر المفتاح لجميع المشكلات. (وهو مساعد للرئيس، إذ لا وجود لمنصب نائب الرئيس في النظام الإيراني).

وتذهب وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا» إلى ما هو أبعد من ذلك حين تظاهرت بأن الكثير من الدول، بما في ذلك اليابان وعُمان والعراق، تستطيع أن تقوم مقام الوسطاء و«تمهد الطريق للمفاوضات».

ويعزف مجید تخت‌ روانجي، الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، نفس اللحن بأسلوب أكثر مرحاً. إذ تخلى عن البيان القاطع الذي أدلى به وزير الخارجية عباس عراقجي، الشهر الماضي، بأن خطة العمل الشاملة المشتركة «فارقت الحياة ودُفنت»، ويحاول رسم أفق مثير للإعجاب يمكن من خلاله توسيع المحادثات النووية لتشمل «جميع القضايا الأخرى».

كان جو بايدن قد أعرب عن وهم مماثل في بداية فترة ولايته التي دامت أربع سنوات في البيت الأبيض بشعار مبتذَل: «لقد عادت الدبلوماسية»! لكننا الآن نعلم أن الدبلوماسية التي يُفترض أن الرئيس دونالد ترمب قد نبذها من قبل لم تعد، لسببين:

الأول أن بايدن، وآخرين كُثُراً من قبله، كان لديهم فهم مهووس للدبلوماسية ليس بوصفها أداة لتحقيق أهداف سياسية وإنما على أنها غاية في حد ذاتها.

وسار هنري كيسنجر على درب حديقة البيت الأبيض بفهمه الساذج للوفاق، الذي كان يعني التكافؤ بين الاتحاد السوفياتي و«العالم الحر» بقيادة الولايات المتحدة، ويُقال إنه ساعد على إطالة أمد الإمبراطورية الشريرة.

لقد افتخر الراحل جيمي كارتر بإبرام اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية سيئة السمعة «سولت»، التي خففت من عبء سباق التسلح الهائل الذي كان على كاهل الاتحاد السوفياتي المنهك. ولم يتساءل كارتر قط: إذا كانت الأسلحة الاستراتيجية تشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة، فما الذي يمنعه من إزالة هذه الأسلحة بالكلية وليس الحد منها؟ وقد لاحظ المولعون بالدبلوماسية قبل إبرام اتفاقية «سولت» أن حرباً نووية مشتعلة بين «القوتين العظميين» يمكن أن تدمِّر العالم 22 مرة، في حين أنه يمكنها تدميره 20 مرة فقط بعد اتفاقية «سولت»!

كان السبب التالي للفشل الدبلوماسي هو أن الإدارات الأميركية المتعاقبة حاولت إنشاء أحجية من قطع متباينة ظلت تتغير باستمرار، لأنه لم تكن هناك صورة توجيهية شاملة متاحة. وتتذكر وكالة الأنباء الإيرانية «اتفاق الجزائر» الذي توسطت فيه الجزائر. إلا أنها تنسى أن الاتفاق المذكور تعامل فقط مع الإفراج عن الدبلوماسيين الأميركيين المحتجزين رهائن في طهران، وهو الأمر الذي كان يحتاج إليه كارتر للحفاظ على فرص إعادة انتخابه. ولم يؤدِّ ذلك إلى وضع حد لاحتجاز إيران الرهائن الذين احتُجزوا خلال العقود الأربعة التالية على ذلك أكثر من 1500 رهينة من 43 بلداً، بما في ذلك الكثير من الأميركيين.

كانت «الصفقة النووية» التي توصل إليها الرئيس باراك أوباما بمثابة مثال آخر لشجرة تُخفي الغابة عن الأنظار. ولم يتساءل أوباما قط: لماذا تحتاج دولة لا تملك سوى محطة واحدة للطاقة النووية تعمل بالوقود الذي يضمنه الصانع الروسي للمحطة طيلة عمرها الافتراضي، إلى إنفاق مبالغ طائلة في تخصيب اليورانيوم الذي ليس له استخدام سلمي واضح؟

أشاد جون كيري، وزير خارجية أوباما، بـ«الاتفاق النووي» بوصفه انتصاراً دبلوماسياً لأن طهران وافقت على عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 6 في المائة حتى عام 2025، التاريخ الذي من المفترض أن تنتهي عنده «الصفقة». لم يكن كيري يعلم أنه بمجرد أن يتوفر لديك الوسائل الصناعية اللازمة لتخصيب اليورانيوم، يمكنك تسريع العملية للوصول إلى المستوى المطلوب لبناء القنبلة النووية.

كان هذا أحد الأمثلة على وضع قطعة في أحجية من دون معرفة شكلها النهائي. والسؤال الذي لم يتناوله أوباما وكيري هو: لماذا قد يرغب النظام الإيراني في بناء قنبلة نووية؟ وأنهم إذا حصلوا عليها، ما عساهم أن يفعلوا بها؟

كانت كل الإجابات لدى روبرت مالي، دبلوماسي الدوام الجزئي المؤيد لإيران، الذي أطلق عليه بايدن وصف «رجل المحادثات مع إيران». فقد أشار إلى أن إيران تصرفت بالطريقة التي تصرفت بها لأنها شعرت بالضعف وانعدام الأمن، ومن ثم احتاجت إلى برنامجها النووي، ومخزونها من الصواريخ، وقواتها بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، كرادع ثلاثي الأذرع. وبالتالي فقد أوصى بالاستسلام الكامل عبر الخطوط التي فرضها «المرشد الأعلى» علي خامنئي.

ما لم يسأل عنه روبرت مالي هو: لماذا ينبغي أن يشعر النظام الإيراني بأنه ضعيف ومهدَّد إلى الحد الذي يحتاج فيه إلى مثل هذه الروادع؟

كان الجواب واضحاً: لأن المرشد تحدث علناً عن محو إسرائيل من الخريطة، وتصدير الثورة، واحتجاز الرهائن، وإنشاء دولة داخل الدولة في العراق وسوريا ولبنان والجزء الشرقي من اليمن، وإرسال فرق لقمع المعارضين الحقيقيين أو المتخيَّلين في 11 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة. إذا قرر الإيرانيون التوقف عن مباشرة هذه الأنشطة، فمَن الذين يرغبون في تهديدهم بسبب ترسانة نووية مفترضة؟ بعد كل شيء، لم تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها قط عقوبات على أي دولة بسبب الأسلحة النووية.

لكن على النقيض من الساسة والخبراء في الولايات المتحدة، يرى خامنئي الصورة الكاملة للأحجية التي ساعد على تشكيلها.

إليكم ما يقوله خامنئي: «من الخطأ الواضح الافتراض بأن مشكلات البلاد يمكن حلها عبر المحادثات أو حتى العلاقات مع الولايات المتحدة. إن أميركا تعاني من مشكلات جوهرية تتعلق بطبيعة نظامنا ذاته. فهل ستنتهي مشكلاتنا مع أميركا إذا تراجعنا عن المسألة النووية؟ كلا يا سيدي! سوف يثيرون مسألة صواريخنا. لماذا تحتاجون إلى صواريخ كثيرة للغاية؟ وماذا تقصدون أن تفعلوا بها؟ ثم سوف يثيرون قضية محور المقاومة الذي خلقناه (في جميع أنحاء المنطقة). وإذا حللنا تلك المشكلات وتراجعنا فإنهم سوف يثيرون مسألة حقوق الإنسان. ولكن حتى لو تراجعتم عن ذلك، فسوف يطالبون بفصل الدين عن الدولة. بعبارة أخرى، يريدون لنا أن نصير دولة عادية، أمر لا يمكن أن يكون عليه النظام الذي أنشأه الإمام الخميني أبداً!»

ها نحن أولاء! يطرح خامنئي أجندة كاملة لأي مفاوضات مع إيران. إما القبول بشروطها الخاصة بكل محاسنها وعيوبها، وإما عدم السقوط في فخ الدبلوماسية المهووسة والترَّهات الجوفاء التي يروِّج لها أوباما ومالي وكيري.

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة إيران مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab