الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما

الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما

الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما

 العرب اليوم -

الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما

أمير طاهري

بهدوء ولكن بثقة، بدأ الرئيس باراك أوباما ما يمكن اعتباره عملية إعادة توجيه استراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. سيكون في صالح الجميع الانتباه لذلك التغيير والتكيف مع مشهد دولي جديد. تتجلى عملية إعادة التوجيه المعنية بثلاث صور، حيث تعكس حركة معارضة التدخل في الشؤون الخارجية المتنامية في الولايات المتحدة. ويستشعر هذا المزاج العام عبر أطياف الآراء المختلفة في الولايات المتحدة، فيما وراء الانقسام التقليدي بين الديمقراطيين والجمهوريين. يتزعم أوباما تغيرا في اتجاه الرأي عن وعوده الأولية، التي يمكن القول إنها مثالية، بالمشاركة مع الخصوم الفعليين أو المزعومين. إن رد الفعل غير المعلن تجاه مشكلات الآخرين بسيط، ممثل في عبارة: «دعوهم يتحملوا تبعات أفعالهم»! لاحقا، صممت عملية إعادة التوجيه من جانب أوباما كخطوة نحو السياسة الواقعية. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، ركز الرئيس على مصالح أميركا الملموسة والمادية بدرجة كبيرة في الساحة الدولية. وفي خطابه الجديد، لم تعد الولايات المتحدة المنارة شبه الأسطورية التي كتب لها التاريخ أن تشع نور الحرية على العالم بأسره. على مدى القرنين الماضيين، غالبا ما كان يجري التأكيد على الأميركيين بأن أميركا شيء أكبر من مجرد دولة أخرى.. إنها أيضا نموذج تجري مشاركته مع دول أخرى أقل حظا. إن تحديد ما إذا كان أوباما قد أيد تلك الفكرة من قبل أم لا مثار جدل. الأمر المؤكد الآن هو أنه لا يعد مفهوم «الاستثنائية» الأميركية أساسا جادا لوضع سياسة خارجية. إن توجه أوباما الجديد يرمي لإعادة صياغة السياسة الخارجية الأميركية كأداة للتعامل مع المشكلات المحددة بوضوح بمساعدة آخرين، بل حتى عندما تكون تكلفة المشاركة بالنسبة للولايات المتحدة تافهة. في النهاية، تشير التصريحات الأخيرة لأوباما ومساعديه المقربين في شؤون السياسة الخارجية إلى أن التوجه الجديد يهدف إلى تقليص الأهمية الاستراتيجية لمناطق بعينها – على وجه الخصوص أوروبا الغربية والشرق الأوسط، مع رفع قدر مناطق أخرى، مثل المنطقة المطلة على المحيط الهادي وآسيا. لقد تحققت محاولة إعادة التوجيه هذه من خلال عدة عوامل؛ أولها أن عامة الشعب الأميركي لم يعودوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة تواجه خصما استراتيجيا قويا بالقدر الكافي لتحديها، ناهيك عن تهديدها على الصعيد الدولي. ربما يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحراز بعض النقاط المتدنية القيمة بدعم الديكتاتور السوري بشار الأسد. غير أن روسيا في موقف لا يسمح لها بأن تصبح مجددا بمثابة تهديد لوجود الولايات المتحدة. ربما يستمر القادة الإيرانيون في حماقاتهم لفترة أطول قليلا. لكن نظامهم المحكوم عليه بالفشل ليس في موقف يسمح لهم بارتكاب المزيد من الحماقات عما فعله. أما العامل الثاني، فيتمثل في اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط، إذ تشهد الواردات من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضا سريعا. في واقع الأمر، ربما تعود الولايات المتحدة كمصدر صاف للطاقة خلال فترة الأربع إلى الخمس سنوات المقبلة. في الوقت نفسه، تواصل حصة الاتحاد الأوروبي في التجارة الأميركية وفي الاستثمار في الاقتصاد الأميركي انخفاضها النسبي، بينما توطد الاقتصادات الناشئة إضافة إلى أعضاء منطقة التجارة في أميركا الشمالية مواقعها، كشركاء للولايات المتحدة. أما العامل الثالث، فهو أنه للمرة الأولى منذ أعوام، تصبح الولايات المتحدة في موقف مسيطر بحق داخل إدارتها. لقد تعين على جورج بوش الابن الدخول في سجال مع نائبه القوي ديك تشيني، بينما واصل وزيرا خارجيته برامجهما. ولم يكن من الممكن بالمثل تجاهل وزيري دفاعه، دونالد رامسفيلد وبوب غيتس. في فترة رئاسته الأولى، اضطر أوباما بالمثل إلى الدخول في سجال مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي ربما يعتقد البعض على نحو صحيح، أنها كانت ملمة بالعالم بصورة أكبر من عضو مجلس الشيوخ الصغير الغامض من إلينوي. ولم يتسن لأوباما أيضا تجاهل تلك الشخصيات القوية أمثال غيتس وليون بانيتا وديفيد بترايوس. ومع ذلك، فإن أوباما محاط الآن بأعضاء مجلس شيوخ مسنين تعوزهم الأهلية وعلى وعي تام بأنهم في مواقعهم برضا أوباما. ولهذا، ففي المواضع التي كان فيها وزير الخارجية، جون كيري، ونائب الرئيس، جو بايدن، قادرين على نسيان إنجازاتهما الخطابية بشأن سوريا بسرعة، مضوا في إظهار قرار أوباما بإلقاء الشعب السوري بين أنياب الذئاب. ربما لا تستمر عملية إعادة توجيه أوباما لمسار السياسة الخارجية الأميركية لما بعد مدته الحالية والتي هي الأخيرة له أيضا. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تحمل مخاطر عدة للدول التي ركنت إلى القوة الأميركية من أجل مد يد العون لها في فرض القانون الدولي، وعند الضرورة إمالة الميزان لصالح الحلفاء في النزاع مع الخصوم. ربما تستغل القوى المتنمرة الماضية في سياساتها الوحشية الفرصة التي يمنحها انسحاب الولايات المتحدة في تعزيز صورتها العدوانية. وتتمثل الإشارة الوحيدة على هذا بالفعل في علاقات روسيا بعدد من «دول جوارها القريبة» كما تعرف. إن تهديد الصين بالحرب على خلفية نزاعات على الجزر مع فيتنام والفلبين، بل وحتى اليابان، يعد مثالا آخر. ومن الأمثلة الأخرى أيضا الحراك المكثف للنظام الخميني في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان. وتتمثل وسيلة التعايش مع الانسحاب الأميركي المخطط له في الإبقاء عليه، على نحو يسمح لإدارة أوباما بأن تسبح نحو نهايتها الحتمية. وتتمثل وسيلة أخرى في استخدام الانسحاب كموضوع حملة أخرى لسحق أوباما. وكلا المسارين مثار جدل. قد يتمثل أسلوب أكثر نفعا في بدء حملة تعليمية لإقناع العامة الأميركيين بأن سياسة عدم التدخل في الشؤون الخارجية مراهنة خطيرة في نظام عالمي يفتقر لآلية لتحقيق الاستقرار. على سبيل المثال، قد يبدو تجاهل اللاجئين والنازحين السوريين الذين يقدر عددهم بسبعة ملايين أشبه بتطبيق بارع لشعار أوباما: «دعوهم يتحملوا تبعات أفعالهم». لكن ماذا لو أصبحت مخيمات اللاجئين والمناطق التي يحاول فيها النازحون جاهدين البقاء تحت قصف بشار الأسد، مستنقعات يتكاثر فيها البعوض بالآلاف؟ اليوم، ينصح الأميركيون بأنهم يحتمل ألا يكونوا في أمان في أكثر من 40 دولة حول العالم. قد يزيد انسحاب أوباما ذلك العدد بشكل حاد. الولايات المتحدة تحتاج وتستحق شيئا أفضل من استراتيجية أميركية. من غير المرجح أن يرغب أوباما في تغيير مساره عبر أي نزاع. إنه يعتقد بالأصل أنه أكبر خبير استراتيجي في التاريخ الحديث، إن لم يكن على الإطلاق. ومن ثم، فإن السخرية منه أو الهجوم عليه لن يغير من الأمر شيئا. المطلوب هو صياغة سياسات من شأنها أن تمكن المنطقة من الحفاظ على الاستقرار إلى أن تغلق الدائرة الحالية من الانعزالية الأميركية، كما هو محتوم.  

arabstoday

GMT 09:18 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:48 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

السوشيال كريديت وانتهاك الخصوصية

GMT 07:40 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:39 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

من باب المندب للسويس والعكس صحيح

GMT 07:10 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

GMT 07:07 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كرد سوريا وشيعة لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياسة أوباما



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab