عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة

عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة

عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة

 العرب اليوم -

عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة

أمير طاهري

مع إصرار فلاديمير بوتين على ضم شبه جزيرة القرم، وربما أجزاء أخرى من الأراضي حول مدينتي خاركيف ودونيتسك، يبدو أن الأزمة، التي أشعلها الرئيس الروسي، تتجاوز مصير أوكرانيا كدولة مستقلة. فالعالم يواجه حاليا خطرا أكبر يتمثل في تحول روسيا إلى دولة مارقة. والجميع يعلم أن الدولة المارقة لا تتجاهل المعايير والقوانين الدولية فقط، بل إنها على استعداد للتنصل من توقيعها على تلك القوانين. وقد شهدت العقود الأخيرة تحول عدد من البلدان إلى دول مارقة لفترات متفاوتة من الزمن. في ثمانينات القرن العشرين، كانت سوريا تتصرف كدولة مارقة من خلال تدخلها في سياسات دولة لبنان. وفي عام 1990، تحول العراق إلى دولة مارقة عندما قام بغزو وضم الكويت إليه لفترة وجيزة من الزمن. أما إيران فقد حولتها السياسات، التي تبناها الملالي، إلى دولة مارقة، لا سيما مع انتهاكها الالتزامات التي تنص عليها معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتي كانت أحد مؤسسيها الأوائل. وتحت حكم أسرة كيم، سلكت كوريا مسلك الدول المارقة عندما أصرت على تصعيد التوتر من خلال ارتكاب بعض الاستفزازات الدموية. لكن ما يبدو بوتين عازما على المضي قدما فيه يثير القلق بشكل أكبر، لأن ذلك يعني أن روسيا من الممكن أن تصبح أول قوة عظمى تتحول إلى دولة مارقة منذ أن قامت ألمانيا النازية بغزو تشيكوسلوفاكيا بحجة حماية الأقلية الألمانية في إقليم السوديت (لجأ بوتين إلى ذريعة «الأهل وذوي القربى» لتغطية الإجراءات التي اتخذها ضد أوكرانيا). لم ينتهك بوتين القانون الدولي فقط عندما اتخذ الخطوات الأخيرة ضد أوكرانيا، بل إنه انتهك قائمة طويلة من المعاهدات الاتفاقيات التي وقعها الاتحاد السوفياتي وورثتها روسيا عنه بالتبعية بعد انهياره. أولى تلك الاتفاقيات التي انتهكها بوتين هي اتفاقية هلسنكي، التي وقعها ليونيد بريجنيف في عام 1975، والتي شكلت إطارا للعلاقات بين الشرق والغرب خلال المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة. قننت اتفاقية هلسنكي مبدأ حرمة التعدي على حدود الدول الأوروبية، والذي كان مقبولا بشكل ضمني بين الدول، رغم انتهاكه في الغالب منذ انعقاد مؤتمر فيينا في الفترة من سبتمبر (أيلول) 1814 إلى يونيو (حزيران) 1815. وقد ساعدت الاتفاقية، التي كانت إحدى بنات أفكار وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، في إطالة عمر الاتحاد السوفياتي لما يقرب من ربع قرن من الزمان حيث وفرت لموسكو إمكانية الولوج إلى أسواق رأس المال العالمية. كما انتهك بوتين مذكرة بودابست للضمانات الأمنية، والتي وقعها بوريس يلتسين في عام 1994، حيث حددت تلك الاتفاقية شكل العلاقات بين أوكرانيا وروسيا في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي. لا يستطيع بوتين تجاهل تلك الحقائق بإلقاء اللوم على بريجنيف ويلتسين، فقد وضع توقيعه الخاص على اتفاقيات جديدة في عام 2009، مؤكدا بذلك قبوله لجميع الاتفاقيات والمعاهدات السابقة. وفي مقال نُشر حديثا في جريدة «واشنطن بوست»، حاول كيسنجر التعتيم على سلوك بوتين المارق من خلال تذكيرنا بأن أوكرانيا ظلت جزءا من روسيا لعدة قرون. لكن أقل ما يقال عن هذه الحجة أنها ليست دقيقة، إذ لم تكن أوكرانيا في يوم من الأيام جزءا من روسيا. كانت كل من أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى أكثر من مائة من الجنسيات الأخرى، جزءا من نفس الإمبراطورية. وإذا كان الانتماء إلى نفس الإمبراطورية في فترة من فترات التاريخ هو العامل الأساسي في ضم روسيا للقرم، فلنا أن نتخيل أن بريطانيا العظمى ما زال بإمكانها الادعاء بأحقيتها في ضم الولايات المتحدة أو الهند إليها مرة أخرى. خلال فترة حكم القياصرة جرى الاعتراف بالوضع الخاص الذي تتميز به أوكرانيا وعدد من الدويلات المسلمة في آسيا الوسطى وسيبريا. وباعتباره وريث الإمبراطورية القيصرية، أقر الاتحاد السوفياتي بتلك الخصوصية من خلال الاعتراف بأوكرانيا كواحدة من الخمس عشرة جمهورية التي تكون الاتحاد السوفياتي. كما اعترفت الدساتير السوفياتية المتعاقبة بحق جميع الدول المكونة للاتحاد السوفياتي في تقرير مصيرها، بما في ذلك الانفصال عن الاتحاد. وكانت أوكرانيا تتمتع بوضع أكثر خصوصية، فرغم كونها جزءا من الاتحاد السوفياتي، كان لها مقعدها الخاص في الأمم المتحدة (كما كان لبيلاروسيا مقعدها الخاص أيضا). لكن بوتين مضى في سلوكه المارق إلى أبعد من ذلك. فقد انتهك الرئيس الروسي مجموعتين أخريين من المعاهدات والاتفاقيات التي وافقت أوكرانيا بموجبها على السماح للقوات البحرية الروسية بمواصلة استخدام المنشآت البحرية الروسية في سيفاستوبول وبالاكلافا. وبموجب الاتفاقية الأولى، حصلت روسيا على حق استخدام تلك المنشآت البحرية حتى عام 2017، ثم جرى توقيع اتفاقية ثانية لتمديد حق استخدام المنشآت حتى عام 2042. ووفقا لبنود الاتفاقيتين، لا يمكن لروسيا أن تزيد حجم قواتها العسكرية في شبه جزيرة القرم، أو إدخال أنواع جديدة من الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة النووية، من دون موافقة أوكرانيا. كما لا يمكن نشر القوات الروسية خارج قواعدها باستثناء الحالات الخاصة بإجراء تدريبات عسكرية في أماكن محددة وتحت إشراف الجيش الأوكراني. كما لا يمكن للقوات العسكرية أو الأمنية الروسية التدخل في السياسة الداخلية في أوكرانيا. غير أن بوتين انتهك كل تلك البنود بأكثر الطرق استفزازا. وعليه، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يشعرا بمزيد من القلق. على مدى الأسابيع القليلة الماضية، انتهك بوتين البنود التي تعتبر روسيا بموجبها عضوا في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE). كما تجاهل البنود التي مكنت روسيا من توقيع اتفاقية شراكة مع منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو). وغني عن القول أن بوتين استهزأ بعضوية روسيا في مجموعة الثماني (G-8)، والتي من المفترض أن تستضيف موسكو اجتماعها القادم في سوتشي في يونيو (حزيران) المقبل. العديد من دول الجوار - القريبة من روسيا والبعيدة عنها - ستشعر بأنها مهددة من قبل موسكو بسبب قرار بوتين الواضح للتصرف كدولة مارقة. فروسيا لم توقع على اتفاقيات ترسيم حدود مع الصين أو اليابان، وتدعي سيادتها على بعض الأراضي التابعة للدولتين، حيث تقع بالفعل أجزاء من أراضي الدولتين تحت الاحتلال الروسي. كما وقعت روسيا اتفاقيتين مع طهران يعود تاريخهما إلى عامي 1928 و1942، تسمحان لروسيا بإنزال قوات في إيران لـ«حماية مصالحها الشرعية». كما أن حدود روسيا مع العديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، من بينها كازاخستان ولاتفيا، تبقى مهددة. كان بوتين قد قام بالفعل بضم أجزاء من أراضي جورجيا إلى أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. ويبدو أن شهيته لضم المزيد من أراضي الدول المجاورة لم تُشبع بعد، فقد يقدم على ضم بعض الأجزاء من ساحل البحر الأسود وصولا إلى أجاريا. وفي سعيه لتحقيق حلمه بإقامة إمبراطورية أوروبية - آسيوية، قام بوتين بتخفيض وضع بيلاروسيا على المستوى الدولي إلى مجرد دول تابعة لموسكو. ينبغي لواشنطن أن تشعر بعدم الارتياح إزاء سلوك بوتين. فإذا كان باستطاعته تجاهل كل تلك المعاهدات والاتفاقيات، فهل سيتردد في انتهاك الاتفاقيات الأخرى التي جرى توقيعها بشأن العديد من القضايا، أبرزها اتفاقيات الحد من انتشار بعض أنواع الأسلحة، وأهمها الاتفاقيات العالمية للحد من الأسلحة النووية؟ عندما تتحول البلدان الصغيرة إلى دول مارقة فهذا أمر عادي، أما عندما تتحول قوة عظمى - مثل روسيا - إلى دولة مارقة، فذلك أمر مختلف تماما.

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تخطَّوْا الخطَ الأول؟

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة عندما تتحول قوة عظمى إلى دولة مارقة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab