العراق يتجاوز الكابوس

العراق يتجاوز الكابوس

العراق يتجاوز الكابوس

 العرب اليوم -

العراق يتجاوز الكابوس

أمير طاهري

الانتخابات العامة العراقية، التي ستجري الأسبوع المقبل، ستكون الأولى بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011. ويزعم بعض المحللين أنه نتيجة لعدم وجود الأميركيين هناك، فلن تحظى هذه العملية باهتمام يذكر. لكن ربما يكون هناك سبب آخر للتراجع النسبي في الاهتمام بالانتخابات العراقية. وخلال العقد الماضي، كان إجراء الانتخابات جزءا من الروتين السياسي العراقي، ومن ثم لم تعد تسترعي اهتماما خاصا.
وقد زاد تراجع الاهتمام الدولي بالعراق بسبب رتابة العملية الانتخابية. غير أن تراجع الاهتمام الدولي زاد من فرص نجاح العراق في العودة إلى المسار الطبيعي بعد عقود من الاختلال والاضطرابات في ظل حكم الطغاة.
وكان إنجاز العراق منذ انهيار حكم صدام حسين هو الإجماع المشترك على فكرة اختيار وتغيير الحكومات عبر الانتخابات. واليوم، قليل من العراقيين هم من يدعمون الأساليب العربية التقليدية لاختيار وتغيير الحكومات عبر الانقلابات العسكرية والاغتيالات والثورات والحروب الأهلية. وعليه، يُظهر وجود الكثير من القوائم الانتخابية وأكثر من 9,000 مرشح مدى الشعبية التي باتت الممارسة الانتخابية تتمتع بها في العراق.
لكن ذلك لا يعني أن العراقيين يضعون ثقتهم الكاملة بالنظام الانتخابي، حيث يعتقد كثيرون أن سيطرة الدولة والحسابات الطائفية ما زالت تقوض مصداقية الانتخابات كوسيلة لوضع أجندة وطنية.
ومع ذلك، يقر الكثير من العراقيين، وربما الأغلبية، بأن انتخابات سيئة أفضل كثيرا من انقلاب عسكري أو حرب أهلية. ويشير تاريخ الممارسة السياسية القائمة على الانتخابات أن الديمقراطية البرلمانية تتطلب عقودا طويلة قبل أن تبدأ في ترسيخ دعائم لا تقبل الجدال، وتصبح جزءا لا يتجزأ من الثقافة السياسية. في بريطانيا، مهد الديمقراطية البرلمانية، لم تشهد البلاد انتخابات نزيهة وحرة حقا إلا بعد الحرب العالمية الأولى. فهل يُعقل أن يتوقع المرء أن ينجز العراق في عشر سنين ما أنجزته بريطانيا في 150 عاما؟
الخبر السار هو أن العراق اختار تطبيق القائمة النسبية في الانتخابات، وهكذا، فإنه سيكون من المستحيل عمليا على الحكومة الفوز بنسبة 99 في المائة من مجموع أصوات الناخبين كما يحدث في بعض البلدان، مثل مصر والجزائر.
لكن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ربما يستطيع الفوز بعدد كاف من المقاعد يمنحه فرصة تشكيل الحكومة مرة أخرى. ومع ذلك، حتى لو تمكن المالكي من الفوز، فمن المؤكد أن الحكومة التي سيقودها ستكون مختلفة عن تلك التي يرأسها حاليا.
ستكون الحكومة مختلفة لأن الائتلاف، الذي أمن بقاء المالكي في السلطة، تلاشى بكل بساطة. أما الدعم الرئيس الذي يستند إليه المالكي هذه المرة، فيأتي من أحد أجنحة حزب الدعوة الإسلامية، والذي يمثل مؤيدوه 11 في المائة من مجموع الناخبين في العراق. وهكذا، فإنه من دون استمالة الأحزاب الشيعية الأخرى، بالإضافة إلى الأكراد وبعض الجماعات السنية العربية، فلن يكون المالكي قادرا على الاحتفاظ بمنصبه.
في الواقع، إذا كان السياسيون العراقيون يتحلون بالنضج الكافي، فينبغي عليهم أن يكونوا قادرين على بناء ائتلاف مختلف مع شخص آخر يختارونه رئيس وزراء العراق المقبل بدلا من المالكي.
توجيه النقد للمالكي قد يبدو أمرا سهلا إذا وضعنا في الاعتبار فشل حكومته في إيجاد حلول للكثير من المشكلات المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن العراقي، مثل نقص المياه وعدم توفر الكهرباء في بغداد، ناهيك عن الفساد المستشري، الذي تخطى - حسب رأي بعض العراقيين - الحدود «الطبيعية» فيما يسمى بالبلدان النامية.
على الأقل، يمكن القول إن حكومة المالكي متهمة بضعف الأداء. وكان الممكن أن ينجز العراق أفضل من ذلك. لكن تبقى الحقيقة، أن العراق كان من الممكن أن يكون أسوأ مما هو عليه الآن. فالبلد، الذي خرج من نحو نصف قرن من الحكم الديكتاتوري الوحشي، لا يمكن أن تتغير أحواله بين عشية وضحاها.
خلال السنوات العشر الماضية، استطاع العراق - رغم الهجمات الإرهابية المتكررة - أن يحقق قدرا لا بأس به من الاستقرار السياسي والاقتصادي. وعلى الرغم من الكثير من التكهنات باندلاع حرب طائفية أهلية، وانفصال الأكراد والكثير من الأمور السيئة الأخرى، تمكنت سفينة العراق من الإبحار وسط الكثير من العواصف الشديدة.
وعند مقارنة وضع العراق بالفوضى التي تعم الكثير من بلدان المنطقة، سنجد أن العراق الآن أفضل حالا من كل تلك البلاد. وحتى نكون على يقين، ينبغي أن نعلم أن الخطر يأتي من أن المالكي وأصدقاءه ربما يخطئون عندما يظنون أن الركود يعني الاستقرار.
في ظل حكومة المالكي، تحول الفساد إلى أسلوب لإعادة توزيع الثروة، ليسد بذلك الفجوة التي صنعها غياب المؤسسات القادرة على توفير الحماية والرعاية الاجتماعية. في نظام حكم المالكي، استطاع بضعة آلاف من العراقيين ذوي النفوذ والقريبين من السلطة، السيطرة على جزء من الدخل القومي، وتعاملوا معه باعتباره غنيمة فازوا بها، ثم قاموا بتوزيع تلك الغنيمة بين عائلاتهم وحاشيتهم ثم - في نهاية المطاف - الناخبين، الذين أعطوهم أصواتهم. وعند مقارنة ذلك الحال بما كان يحدث تحت حكم صدام حسين، فقد جرى إصباغ «صفة الديمقراطية» على ممارسات الفساد، بمعنى أنه جرى توزيع الغنائم على عدد أكبر من الشعب العراقي خلال عهد المالكي.
ومن المفارقات، تبدو طريقة «التوزيع من خلال الفساد» - رغم ذلك - إشارة على ضعف حكومة المالكي، ففي النظم الاستبدادية العربية الكلاسيكية، يأخذ الحاكم في الغالب أكثر مما يعطي.
في مرحلة ما بعد النظام الملكي في العراق، كانت الحكومة دائما ما تكون قوية للغاية، بينما تكون المجتمعات في شدة الضعف. أما خلال العقد الماضي، فقد تبدل ذلك التوازن لتصبح الحكومة أضعف، بينما أصبح المجتمع أقوى. واليوم، يشهد العراق عودة ظهور قطاع الأعمال الخاص، الذي اختفى في عهد صدام حسين. وعلى الرغم من أن الحكومة ما زالت تمارس نفوذها على وسائل الإعلام - من خلال الرشى في كثير من الأحيان - فإنها لم تعد تسيطر عليها بشكل كامل كما كان في الماضي. وما زالت الحكومة - وفي كثير من الأحيان - قادرة على شراء ولاء الأحزاب السياسية وقادة الرأي العام والبرلمانيين. لكن ولأنهم لم يعودوا يشعرون بالخوف على حياتهم، فلم يعد هؤلاء يظهرون الطاعة العمياء، التي كانت القاعدة في عهود الاستبداد العربية الكلاسيكية.
ويتهمني كثيرون، ومن بينهم بعض أصدقائي العراقيين، بأنني ساذج وغير واقعي. لكنني أؤمن بأن العراق أفضل حالا عند مقارنته بالبلدان الأخرى في المنطقة. فالاقتصاد العراقي ينمو، والقطاع الخاص يزداد توسعا، وهناك جيل جديد من السياسيين تتكون شخصيته، الكثير منهم يخوض الانتخابات التي سيجري تنظيمها الأسبوع المقبل، بينما يتوارى الحرس القديم من السياسيين، الذين عاد الكثير منهم إلى العراق بعد عقود في المنفى. كما بدأ العراقيون يمارسون السياسة من وجهة النظر التي تهتم بشؤون حياتهم اليومية، وليس على أساس المثل الفارغة التي خدعت العرب على مدى أجيال كثيرة.
كثيرا ما يزعم منتقدو المالكي أنه يحاول أن يصبح «صداما جديدا». وربما يكون ذلك الاتهام صحيحا من حيث استخدامه في المعارك السياسية. لكن حتى إذا كان هو الحلم الذي يريد الرجل تحقيقه، تبقى الحقيقة أن المالكي، أو حتى أي شخص آخر، لا يستطيع أن يصبح «صداما جديدا».
فقد تجاوز العراق ذلك الكابوس.

 

 

 

 

arabstoday

GMT 06:04 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

مفاهيم فلسفية وتحديات سياسية

GMT 06:02 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

أميركا تقاطع نفسها

GMT 06:00 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

جدل الفيدرالية في ليبيا

GMT 05:59 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

اسلمي يا مصر!

GMT 05:57 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

مصر.. والرؤية الثابتة تجاه القضية (1-2)

GMT 05:56 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

مشهد الساحل السوري له خلفية

GMT 05:55 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

دراما أهل الشام

GMT 05:54 2025 الخميس ,13 آذار/ مارس

المتطرف الوسطى (2)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق يتجاوز الكابوس العراق يتجاوز الكابوس



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 01:44 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مقتل 4 أشخاص في هجوم روسي على سفينة أوكرانية

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

باتريس موتسيبي رئيسًا لـ كاف لفترة جديدة

GMT 12:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

إفطار رمضانى مع وزير الخارجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab