قادة مصر وصياغة المستقبل

قادة مصر وصياغة المستقبل

قادة مصر وصياغة المستقبل

 العرب اليوم -

قادة مصر وصياغة المستقبل

أمير طاهري

على مدى عقد من الزمان، عكفت الأمم المتحدة على دراسة ومناقشة ظاهرة فرضت نفسها على الساحة السياسية في عدة دول.. تلك الظاهرة هي الإرهاب. وبسبب القول المأثور القديم: «الإرهابي في نظر البعض، قد يكون محاربا من أجل الحرية في نظر الآخرين»، فقد باءت الجهود الرامية إلى الوصول لإجماع حول تعريف للإرهاب بالفشل. لكن هل نحن بحق في حاجة إلى تعريف؟ الجميع، خاصة الضحايا، يعلمون ما يفعله الإرهاب، من دون الحاجة لتعريفه. يدرك الباحثون الذين عكفوا على دراسة الظاهرة أيضا شيئا آخر: لا ينجح الإرهاب مطلقا في تحقيق أهدافه. إنه حل خاطئ للمشكلات الحقيقية. الإرهابيون قادرون على احتجاز رهائن وزرع قنابل وقتل أفراد وتنفيذ هجمات انتحارية تحصد أرواح العشرات.. لكنهم نادرا ما يكونون قادرين على ترجمة تلك الأفعال في صورة مكاسب سياسية. في روما القديمة، قاد اغتيال قيصر على يد أصدقائه السابقين بحجة إنقاذ الجمهورية إلى نظام استبدادي تحت حكم أوكتافيوس؛ الابن بالتبني للديكتاتور الذي جرى قتله. وفي التاريخ الإسلامي، روع الحشاشون الناس على مدى عقود، لكنهم لم يتمكنوا مطلقا من فرض سلطة سياسية تتجاوز نطاق حصونهم الجبلية في قلعة الموت شمال غربي طهران. كانت أوروبا في القرن التاسع عشر مسرحا للعديد من العمليات الإرهابية من قبل جماعات الأناركيين ومؤيدي مبدأ العدمية وجماعات النارودنيك، التي لم تجنِ أي مكاسب من عنفها. في الأزمنة الأحدث، فشلت الحركات الإرهابية في العديد من الدول عبر أنحاء العالم؛ من مالايا (ماليزيا الآن) إلى المكسيك. وعلى مدى عقود، كانت أميركا اللاتينية معقل التنظيمات الإرهابية. بل إن حتى أوروغواي السلمية لم تفلت من الوباء. وبفضل إنتاج المخدرات والتصدير، في كولومبيا وبيرو، أصبح الإرهاب تجارة كبرى، لكنه لم يفضِ إلى منح سلطة سياسية للإرهابيين. وفي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، هاجم الإرهاب الدول الأوروبية الغربية، ولكن مع تمتع الإرهاب بدعم ضمني من قطاعات من الطبقة البرجوازية، آل إلى فشل تام. لم تؤدِ عقود من العنف من قبل الجيش الجمهوري الآيرلندي إلى الوحدة الآيرلندية. وعلى مدى العقود الثلاثة المنصرمة، كانت الدول الإسلامية هي الضحايا الرئيسة للإرهاب. وفي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، ضرب إرهاب عشرات الجماعات المختلفة إيران، لكن حينما سقط الشاه، لم يستحوذ أي منهم على السلطة. مع تصدير الإرهاب إلى دول أخرى، فإن النظام الخميني الجديد نجح في إبادة الجماعات الإرهابية التي حاربت الشاه. لم يتبن الإرهابيون من التيار الإسلامي الحديث، الذين تلقوا التدريب على يد «خبراء» من كوبا وكوريا الشمالية، تكتيكات الحشاشين؛ بل اتجهوا لتفجيرات السيارات المفخخة والمكائد الخداعية والمتفجرات التي يجري زرعها في الأماكن المزدحمة. راق للحشاشين مواجهة ضحاياهم وجها لوجه؛ كانوا يعتبرون خلفاءهم الذين يدعون لأنفسهم ما ليس لهم حق فيه جبناء. كل هذا يأتي بنا إلى مصر التي يبدو أنها تواجه عودة إلى الحملة الإرهابية في الفترة من 1980 إلى 2000. أبطأت هذه الحملة مسار التنمية الاقتصادية في مصر، وعرقلت حياة الناس، وحصدت أرواح الآلاف، لكنها لم تحقق شيئا للإرهابيين. عزز الإرهاب الأركان الاستبدادية لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. من دون الحملة الإرهابية التي استمرت 20 عاما، لربما تحول نظام مبارك إلى نظام ديمقراطي، ليعيد تحول كوريا الجنوبية من الحكم العسكري إلى التعددية. اليوم، بوسع حملة إرهابية جديدة أن تضفي نوعا من الشرعية على النموذج العسكري - الأمني للدولة العربية التي واجهت تحدي «الربيع العربي». لا يمكن استرجاع ذلك النموذج، ولا يمكن لمصر أن تبقي على ثلاثين عاما أخرى من فرض القوانين القمعية. ومع ذلك، يمكن استغلال الإرهاب تبريرا لمد حالة الطوارئ. القمع يغذي الإرهاب، والإرهاب بالتبعية يولد القمع؛ إنها حلقة مفرغة. إن قصة مصر وهي تئد تجربتها مع الديمقراطية الانتخابية هي قصة فشل تام. أضاع الإخوان المسلمون فرصة تاريخية منحهم إياها الناخبون. إن الجماعات «الديمقراطية» التي جسدتها حركة «تمرد» مؤخرا، وقعت ضحية لرومانسيتها التي عفا عليها الزمن. وبعد عامين من سقوط مبارك، يبقى أكبر حزب في مصر هي الأغلبية الصامتة. لم أتأثر مطلقا بالحشود في أي من ميدان التحرير أو أمام مسجد رابعة العدوية في القاهرة. تبدو الحشود مؤثرة على شاشة التلفزيون، لكن من الناحية السياسية، تظل مجرد فكرة مجردة. في نهاية المطاف، تنتج كثيرا من الحرارة ولكن قليلا من الضوء. ما زلنا لا نعلم ما تريده الأغلبية الصامتة المصرية. تفشل الثورات حينما يثبت عجزها عن توسيع قاعدتها بحيث تضم قطاعا من الأغلبية الصامتة. في السلطة، فعلت جماعة الإخوان المسلمين العكس من خلال برنامج قلص قاعدة دعمها بدلا من أن يوسعها. ولأجل هذا كله، فإن هؤلاء الذين يتحدثون عن حظر الحركة ربما يرتكبون خطأ أكبر. للخروج من طريق مسدود، تحتاج مصر إلى تضمين؛ لا إقصاء. الإرهاب ليس حلا، ولكن الحل ليس القمع. الأمر الذي قد يثير أسف كل أصدقائي المصريين هو أنني لم أعتبر ما حدث في مصر ثورة مطلقا. لم أصف ما نتج عن سقوط مبارك بأنه تغيير نظام، وإنما إنشاء نظام داخل نظام. ومع ذلك، فإننا حتى لو تملقنا المصريين بحديثنا عن «ثورتهم»، فإن تجربة مصر ليست متفردة. في أوروبا بالمثل، فشلت الثورات في الفترة من 1948 إلى 1949 بسرعة، مما أدى إلى ظهور أنظمة استبدادية جديدة بشكل ملحوظ في فرنسا وبروسيا. في مصر، يتمثل الحكم الوحيد المتاح في الإخفاق الشامل. سيبلي القادة المصريون من جميع الأطراف بلاء حسنا بإقرارهم هذا، إذا ما أرادوا صياغة أجندة موثوق بها للمستقبل. نقلا  عن جريدة الشرق الاوسط

arabstoday

GMT 20:41 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

خطاب ترمب بين المثالية والواقعية

GMT 20:32 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

يوم الشهيد.. وعنصر التوقيت

GMT 11:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

تليين إيران أو تركيعها: لا قرار في واشنطن؟

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فقراؤنا وفقراء غزة أولى بأعمال الخير

GMT 07:01 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فرصة كي يثبت الشرع أنّه ليس «الجولاني»...

GMT 06:52 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

سوريا الواقع والافتراض

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

بيان القاهرة... إجماع وتحفظان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قادة مصر وصياغة المستقبل قادة مصر وصياغة المستقبل



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 01:44 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مقتل 4 أشخاص في هجوم روسي على سفينة أوكرانية

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

باتريس موتسيبي رئيسًا لـ كاف لفترة جديدة

GMT 12:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

إفطار رمضانى مع وزير الخارجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab