حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع

حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع

حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع

 العرب اليوم -

حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع

عبد الوهاب بدرخان

طرأ تغيير كبير على مزاج النظام السوري وحلفائه. تفاجأوا فعلاً بهذا الانتقال النوعي للحرب الى الساحل. كان يطيب للنظام أن يدمّره، إسوة بالمناطق الأخرى، لكنه منطقته وعماد مشروعه البديل. له مصلحة في تسليم سورية مدمَّرة كلياً، أما الساحل فلا. حتى دمشق التي أحاطها بحزام من الأرض المحروقة لن يتوانى عن تخريب معالمها حين يشعر بأن نهايته اقتربت. وكما أعطت الأرض مؤشرات لمصلحة «الجيش الحرّ» بعد اشتعال معركتي حلب ودمشق (2012)، ثم لمصلحة النظام أو بالأحرى لمصلحة ايران و «حزب الله» والميليشيات العراقية بعد معارك القُصَير (2013) امتداداً الى القلمون، فإن المؤشرات الحالية تنبئ بأن مرحلة جديدة قد بدأت. إنسوا الولايات المتحدة وروسيا، فهما تعملان بالمعطيات التي توفرها الأزمة لهما وتبيّن أن لديهما اهدافاً يمكن أن تتطابق (أمن اسرائيل، تدمير المخزن الكيماوي، محاربة الارهاب «القاعدي»...) أو تتنافر (تغيير نظام بشار الأسد، هزيمة ايران في سورية...). إنسوا هذا النظام، فهو برهن أولاً أنه مجرد آلة للقتل ووسيلة في خدمة العائلة والطائفة، وثانياً أنه مجرد حجر على لوحة الشطرنج الايراني. فكّروا فقط في أن الجميع، بمن فيهم المعارضة ومن دون علمها، وحتى مجموعات الارهاب، يلعبون في اطار الاستراتيجية الايرانية الجهنمية التي توصلت الى ادارة الارهابيين فيما هي تشيطن السنّة عموماً تحت اسم «التكفيريين» أو سواه. ولم يعد خافياً أن تقسيم سورية ليس مجرد فكرة زرعها النظام ورعاها طويلاً، بل بات هدفاً رئيساً لما يُعرف بـ «المشروع القومي الفارسي» الذي عسكر الطائفة الشيعية وفروعها حيثما استطاع، وتُعتبر هيمنته على العراق وسورية ولبنان وتغلغله في اليمن والبحرين وفلسطين من معالم نجاحه. لا يشبه هذا المشروع الفارسي سوى نقيضه إحياء الخلافة الاسلامية أو إعادتها، مع فارق أن الثاني يحلم به تنظيم أو تنظيمات لا تزال تعيش في زمن غابر ولم تأخذ علماً بنشوء الدول وتمايز الأقوام. أما الأول فاعتمدته دولة هي ايران وجنّدت له طائفة وعرفت كيف تخترق دولاً اخرى لتثبت أن حكم الأقلية للغالبية ممكن بالسيطرة على المؤسسات أو شلّها بطرق مختلفة: تحالف مع النظام في سورية، علاقة تنظيمية وعقائدية مع الحزب المفترض أن يبقى حاكماً في العراق، ميليشيا مذهبية مسلّحة ترهب الطوائف المتعايشة وترتكب اغتيالات في لبنان، ميليشيا مماثلة يتصاعد دورها في اليمن فضلاً عن تواصل عسكري وتمويلي مع انفصاليي الجنوب وتنظيم القاعدة، مجموعات تخريبية في البحرين، علاقة تمويل وتسليح وتواصل مع غزّة ومجموعات سيناء وأخيراً مع ميليشيات ليبية، عدا العلاقة مع أنظمة اخرى مجاورة لاستكمال الأطواق حول الدول العربية المحورية. أنظروا الى الخريطة السورية، فتلك الزاوية الصغيرة في أقصى الشمال الغربي، حيث تقع كَسَب، قد تقلب كل معطيات الحرب. هي منطقة لا يقطنها سُنّة عرب بل تركمان وأرمن، والأخيرون يوصفون بأنهم «شبّيحة» مزمنون لدى النظام لأن حقدهم التاريخي على تركيا وقربهم منها لا يتركان لهم خياراً آخر. أما التركمان فبدأوا يُسمعون أصواتهم مستوحين ما حصل لشبه جزيرة القرم في اوكرانيا، وثمة حزب واحد على الأقل (حزب الوطنيين الأحرار السوريين) جهر بالدعوة الى «انضمام جبل الأكراد والتركمان والمدن المحررة الى تركيا»، بل أعلن أن اتصالات تُجرى بهذا الشأن. من الطبيعي أن تسلّط معارك كَسَب وجوارها الضوء على دور تركيا، اذ نجحت للمرّة الأولى في فرض «منطقة حظر جوي» - ولو محدودة - بحكم الأمر الواقع، وبالتالي عززت إمكان السيطرة الدائمة لمقاتلي المعارضة على منطقة حساسة واستراتيجية، خصوصاً في سعيهم الى انتزاع رؤوس التلال التي تستخدمها قوات النظام للقصف على مختلف المناطق. وكان اسقاط «تلة المرصد 45» بعملية انتحارية عيّنة عما بلغه تصميم مقاتلي المعارضة. في المقابل، ظهر الارتباك لدى الطرف الآخر، فما كان أهم نقطة قوة للنظام يبدو كأنه خاصرته الرخوة، اذ إن أنصاره هم اليوم الأكثر استغراباً لتركه المنطقة لـ «جيش الدفاع الوطني» كما لو أنه لم يتوقع أن تُهاجَم. وترافق الانهيار المفاجئ للمعنويات بردود فعل خطيرة - غبية كتلويح مندوب النظام باحتمال السلاح الكيماوي، أو لا إنسانية - غبية كإلقاء جثث القتلى الشيعة من الطائرات الى ذويهم في نبّل والزهراء المحاصرتين من دون احترام لمشاعر مؤيدين له، أو ثأرية - غبية كما في هجوم «الشبيحة» على الأحياء السُنّية في اللاذقية للتنكيل والتهديد والتوعّد. وفيما تفجّرت فضيحة التنصّت في تركيا لتكرّس الشأن السوري في الصراع السياسي الداخلي، تتداول دوائر دولية معلومات عن اتصالات متشنجة أجراها الإيرانيون بأنقرة، منذرين بأنهم مستعدّون لمزيد من التورّط في سورية اذا لم ينسحب مقاتلو المعارضة من المواقع التي دخلوها، لكن أوساط المعارضة تقول إن الهجوم لن يتوقف إلا بعد حصولها على أفضلية استراتيجية في المنطقة تمكنها من تشكيل تهديد ردعي للنظام وحلفائه. ولا بدّ من الاشارة أيضاً الى أن معركة الساحل انعكست ايضاً على جبهات عدّة لمصلحة المعارضة، خصوصاً في ادلب امتداداً الى ريف حماة الشمالي. هل هذه اللحظة مناسبة لمعاودة البحث في «الحل السياسي»، أم أن جولات القتال مستمرة الى حين ارتسام معادلة ميدانية جديدة؟ عندما ذهبت المعارضة الى جنيف لم تكن موحّدة الرأي ولا في أحسن حالاتها على الأرض لكنها خاضت المفاوضات بجدّية، أما النظام فأراد استخدام تحسّن وضعه العسكري لإملاء شروطه وأجندته ولم ينتهز المفاوضات لفتح صفحة جديدة في الأزمة. لا أحد يفكّر حالياً في العودة الى جنيف، لأن الحل السياسي يعني على الأقل قبول الآخر وتبادل التنازلات حقناً للدماء والمحافظة على وحدة البلد والشعب، ولم يبرهن النظام في أي لحظة أن هذه من أهدافه، بل إن اقتلاع أكثر من عشرة ملايين سوري من بيوتهم لا ينمّ عن رغبة في صون التعايش. يضاف الى ذلك أن المواجهة الدولية المحتدمة حول اوكرانيا وانشغال الولايات المتحدة وروسيا بها فرضا على الأزمة السورية نوعاً من الوقت المستقطع الذي يستغلّه الطرفان لتحسين موقعيهما استعداداً للمرحلة المقبلة. وإذا أتيحت للأميركيين والروس العودة قريباً الى إحياء مفاوضات جنيف، فقد يجدون المهمة أكثر صعوبة بسبب متغيّرات الوضع السوري، لكن من المتوقع أن تكون «تفاهماتهم» وخياراتهم أكثر وضوحاً هذه المرّة في ضوء الحل الديبلوماسي الذي سيتبلور في اوكرانيا. هناك ترقّب لما بعد زيارة باراك اوباما للسعودية، ولما يوصف بأنه سياسة اميركية «جديدة» بالنسبة الى سورية. فهناك نتائج لترك الأزمة من دون حل نبّه اليها وفد «الائتلاف» خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وهناك نتائج لأي «انتصار» ايراني نبّهت اليها السعودية وأطراف عربية اخرى، وكلّها يُفترض أن الولايات المتحدة لا تحبذها سواء تمثّلت بصعود التيارات الارهابية أو بهيمنة مشروع ايراني يربك الحلفاء العرب ويشكّل خطراً عليهم. أما السياسة «الجديدة» التي أملاها التطرّف الروسي فلا بدّ من أن تعلن موقفاً من تدخل ايران واتباعها، ولا بدّ من أن توفّر للمعارضة الإمكانات المناسبة لمساعدتها على الصمود في مواقعها الحالية. لا شك في أن هذا المتغيِّر الاميركي المتأخر سيتطلّب من فصائل المعارضة أن تعيد تنظيم صفوفها سياسياً وأن تجنح أكثر الى توحيد قيادتها العسكرية وتتمايز عن المجموعات المتطرفة. فهذا هو الخيار المتاح لا لمواجهة أكثر فاعلية للنظام وحلفائه بل حتى لدفع موسكو نفسها الى تعديل موقفها.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع حرب الساحل والدور التركي يغيّـران طبيعة الصراع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab