طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة؟

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة؟

 العرب اليوم -

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة

عبدالوهاب بدرخان

اذا كان القضاء على الارهاب سيعتمد على تنسيق مع النظامين الايراني والسوري، ومع ميليشيا «حزب الله» (اللبناني/ الايراني)، ومع حكومة عراقية تعوّل على جيش تلاعب الايرانيون بعقيدته القتالية ورفدوه بميليشيات شيعية، فهذا يقترح في المقابل ضرورة التنسيق مع الارهابيين أنفسهم، مع «القاعدة» و «داعش»، لأن النواة الصلبة لمقاتليهم كان ضباطها وأفرادها في سجون تلك الأنظمة وخرجوا أو تخرّجوا، هربوا أو هُرِّبوا، ليشكّلوا التنظيم الأكثر تطرّفاً ووحشية. طبعاً، لا أحد يعتقد بإمكان حصول تنسيق مع هؤلاء، إلا أن وجود الأنظمة الثلاثة في مؤازرة أي «تحالف» دولي - اقليمي «ضد الارهاب» يرسم الكثير من علامات الشك والاستفهام فوق الهدف المتوخّى من أي حرب يشنّها هذا التحالف. فظاهرها المعلن والمعبّر عنه بـ «إنهاء داعش» يمنح تغطية لأجندات كثيرة غير معلنة تتعلّق بمستقبل دول الاقليم، تحديداً بمستقبل سورية والعراق على نحو أوليّ.

كان الاعتماد على قوات «البيشمركة» الكردية اجراءً طبيعياً فرضته ضرورتان، تعويض انكفاء الجيش الحكومي ووقف التوسع «الداعشي»، لكن برّرته أيضاً الحاجة الى قوة عسكرية منظّمة غير مصابة بالهوس المذهبي المؤدلج الذي يحرّك الطرفين الآخرين، السنّي والشيعي، أي الى قوة يمكن التفاهم معها على التزامات محدّدة لا تتطلّب موافقة «المرشد» أو «الخليفة». في أي حال لم يكن هذا الإجراء بلا مقابل، اذ إن سقوط المحافظات السنّية غطّى على «استعادة» كركوك من جانب الكرد، وهي خطوة يرى كثيرون أنها أعطت مؤشراً باكراً الى ترتيبات ما بعد الحرب على «داعش»، فكركوك كانت من المناطق «المتنازع عليها» وما إن فقدت الحكومة المركزية السيطرة عليها حتى استغنت عن «حقّها» فيها. في المقابل، أيضاً، وعلى سبيل تبادل الخدمات، كان على القيادة الكردية أن تنفتح لتعاون عسكري عرضه الايرانيون، وما لبث أن ظهر في معركة آمرلي. بديهي أن الحصار «الداعشي» لهذه البلدة الشيعية قطعها عن العالم وأدّى الى تجويعها، ما أوجب التحرك لإنقاذها وتجنيبها مجزرة محققة، وكان من الطبيعي أن يتشارك «الجيش العراقي» و «البيشمركة» في فك الحصار عنها، أما أن تكون ميليشيات ما يسمّى «الحشد الشعبي» الى جانبهما، بل أن تكون هناك أيضاً قوة ايرانية على رأسها الجنرال قاسم سليماني وأن يظهر راقصاً محتفلاً بـ «النصر»، فقد عنى ذلك أن طهران و «بغدادها» لم تتعلما شيئاً مما حصل في العراق بل تصرّان على ترسيخ نتائج أخطائهما سواء في وقائعها أو في رمزياتها.

لكن الأهم أن هذه المعركة قدّمت عينةً مما قد يكون، أو بالأحرى مما تراه ايران وتريده من الحرب المقبلة. فهي مطمئنة الى أن الولايات المتحدة (والدول الحليفة المفتَرَضة) كررت وتكرر أنها معنية فقط بسماء المعركة وبتوفير الأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباري من دون المشاركة في الجانب القتالي. لكن المسار الفعلي لهذه الحرب يتوقف على التحرك البرّي الذي لا يزال حلقةً غامضة إنْ لم تكن مفقودة. فمصير «داعش» يتقرر على أرض المعركة وليس في أجوائها، وإيران هي القوة الوحيدة الموجودة على الأرض، سياسياً من خلال «حزب الدعوة» أي في داخل عقل حيدر العبّادي، وعسكرياً من وراء الجيش العراقي وفي غرفة عملياته وأجهزته الاستخبارية ومن خلال الميليشيات الشيعية التي تضيف الى هذا الجيش بُعد «حرب العصابات» الذي يفتقده. بل إن ايران موجودة على الأرض في المقلب الآخر من الحرب، في سورية، حيث تقود قوات نظام بشار الأسد وتخطط لتحركاته وتشرف على أجهزته وعملياته وعلى تدريب ميليشياته. وقد بنت ايران وجودها هذا في البلدين من دون أن ترسل أعداداً كبيرة من عسكرييها اليهما وانما بالتجييش المذهبي.

لكن التطوّرات أظهرت لطهران أن كل ما وفّرته من وسائل قوة للنظامين التابعين لها لم يرسِ واقعاً سياسياً قابلاً للاستمرار ومؤهلاً لإنتاج الاستقرار. فالتجربة الكارثية لنوري المالكي حكمت مسبقاً على حكومة العبادي باتّباع نهج مختلف تماماً، ليس فقط في السعي الجدّي الى «مصالحة وطنية» بل خصوصاً لأن هذا المصالحة تشكّل أحد أهمّ شروط نجاح «الحرب على داعش». لا يختلف الأمر كثيراً في سورية حيث استطاع الايرانيون وأتباعهم انقاذ النظام، ليكتشفوا أنهم أنقذوا عملياً جثة حيّة لكن عليلة ونازفة، وأنهم بالتالي غير قادرين على تسويقه لا عند السوريين الذين وقفوا بين النظام والثورة ولا عند المعارضين «المعتدلين» ولا حتى عند الانتهازيين من أشباه المعارضين، بل بات تسويقه يصعب داخل طائفته التي أملت في أن تكون اعادة انتخابه تمهيداً لمبادرة داخلية لإعادة شيئ من الوئام والتسالم بين فئات الشعب. وكما اخترق «داعش» المشروع الايراني في العراق وفرض اعادة نظر في تركيبة الحكومة وعملها، من دون أن يكون هذا هدفه، فإن التنظيم الذي أمضى ما يقارب العامين في خدمة النظام السوري تحوّل في غضون أسابيع قليلة الى أداة تهديد وتدمير لـ «انتصارات» هذا النظام وحليفه الايراني، لكنهما يأملان الآن في أن تساعدهما «الحرب على داعش» في الحفاظ على الأمر الواقع الذي فرضاه، بل في تحسين أوضاعهما وتطوير سيطرتهما على كامل المناطق السورية، وصولاً الى هدفهما الأساسي وهو القضاء على أي حراك شعبي سوري، اضافة الى ادامة الوضع الشاذ في لبنان حيث صارت الدولة وجيشهما رهينةً في قبضة ايران و «حزب الله».

قد يحقق «التحالف الدولي» لطهران ودمشق أمنيتهما هذه، لأنه للتعامل مع الواقع على الأرض، تحديداً مع واقع ساهمت الولايات المتحدة مباشرةً في صنعه اذ خذلت الشعب السوري ولم تؤيد يوماً اسقاط نظام لا تزال تقول إنه فقد شرعيته وتعتبره والغاً في جرائم وجرائم ضد الانسانية. فالفارق مع العراق، على هشاشته، يفيد بأن هناك دولة وجيشاً يمكن الضغط عليهما لترشيد أدائهما صوناً لمصلحة الجميع، ثم أن قوى عشائرية أو ميليشوية في المحافظات السنّية لديها مصلحة في التخلّص من «داعش» اذا توافر البديل المقترح لنوري المالكي وسياساته. أما في سورية فلا أثر لعملية سياسية، والمعارضة تحارب النظام و «داعش» في آن، فإذا كان الأول هو «البديل» المُفتَرض من الثاني، فإن المعارضة ستُدفع دفعاً وبفظاظة الى نوع آخر من التطرف الأعمى، بما فيها أيضاً «المعارضة المعتدلة» التي لا يمنعها اعتدالها من مقاتلة النظام ورفض الهيمنة الايرانية. لا شك في أن «التحالف» سيعتمد على هذه المعارضة في محاربة «داعش» في المناطق التي انتزعها منها أصلاً، أما كيف سيُواءَم ذلك مع التعاون مع النظام، فهذا يتطلّب انضباطاً لن يتوافر إلا بتفاهمات (دولية – اقليمية) تحدّد قواعد الاشتباك. ذاك أن أي انحياز أو تمييز ضد منطقة، وأي «تمكين» لنظامي دمشق أو بغداد ضد مناوئيهما، سيعني المجازفة بـ «القضية» التي تُخاض الحرب لأجلها، بل سيؤدي الى جنون في التطرف على طريقة «ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا/ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا»!

في كل الأحوال، لا بد لإيران من أن تلعب لعبة الحرب المقبلة بحدٍّ أدنى من «القذارة»، اذا كانت تعني فعلاً ما تقوله بأنها مستعدة للمساهمة في محاربة الارهاب كأولوية دولية. وهي تعلم أن تنظيم «داعش»، مثل «القاعدة» قبله، غير مبني على مشروع مستقبلي ولا يعوّل عليه المستفيدون منه، ومنهم ايران، بأكثر من وظيفته التخريبية الحالية، لكنه مضى بعيداً وعميقاً في تقويض الدول ومؤسساتها وفي تمزيق المجتمعات، ناهيك بترويع الأقليات. ولعل أخطر ما يهدّد هذه الحرب وأهدافها أن تعمد ايران الى لعب «أوراقها» لابتزاز «التحالف» اذا شعرت بأن الحرب لن تحمي مشاريع النفوذ والهيمنة التي تديرها.

 

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab