ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر

ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر؟

ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر؟

 العرب اليوم -

ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر

غسان الإمام

البحر الأحمر بحر عربي يضمن العرب فيه حماية الملاحة التجارية الدولية. لكن خلال السنوات المائة الأخيرة، شهدت شواطئ ومداخل هذا البحر تسع حروب وثورات طاحنة. اثنتان منها ما زالتا مشتعلتين: حرب في سيناء أشعلتها «حماس» وإيران، بتدريب وتسليح تنظيمات محلية. في مقدمتها، تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابي الذي يقول إنه صار «داعشيا». والثانية حرب يمنية تسببت بها أيضا إيران، بإثارتها الغرائز المذهبية التي كانت غافية مئات السنين.
في حضن هذا البحر وعلى شواطئه، نشأت حضارات قديمة والأديان السماوية. ماتت الحضارة الفرعونية، بعدما استعربت مصر وأسلمت. وغدا اهتمام مصر بوطنها العربي ميزانا لنفوذها. فكلما تراجع هذا النفوذ، خسرت مصر سلامها بل واستقلالها. وكلما اشتد النفوذ، باتت مصر منارة شامخة. مشعة بوهجها وثقافتها على العالم العربي.
من قال إن مصر الحديثة خسرت ثلاث حروب مع إسرائيل؟! استعادت مصر قناة السويس من الاحتكارات الأوروبية (1956). ودفنت الإمبراطورية البريطانية في بحيراتها المرة. وأسقطت رئيس حكومتها أنطوني إيدن. وساهمت في تقويض الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، بدعمها ومساندتها للثورة الجزائرية.
وأجبرت مصر إسرائيل على الانسحاب من سيناء. وطي حلمها التوراتي التوسعي داخل أسوار الأرض الفلسطينية المحتلة. خسرت مصر الساداتية نفوذها في محيطها العربي. فاستعاد الرئيس مبارك عروبتها وجامعتها العربية. ثم طوى الرئيس عبد الفتاح السيسي محاولة الرئيس مرسي تأجير إيران وتركيا عروبة مصر وإسلامها. وبدأ مسيرة استعادة نفوذ مصر في محيطها. انطلاقا من حلف لا سابق له، مع الأشقاء في السعودية ودول الخليج.
ذات يوم في خمسينات القرن الماضي، حاول أميران شابان سعوديان تأصيل الدور السعودي مع مصر في تأسيس الجامعة العربية. في وعيه العربي المبكر، ارتبط «الأمير» فهد بن عبد العزيز بحب عميق لمصر. كان يزور القاهرة باستمرار. يحاور. ويناقش. ويصادق. كبار صحافييها ومثقفيها. بل وتطوع مع شقيقه «الأمير» سلمان بن عبد العزيز في الحملة المصرية لتدريب المقاتلين والمناضلين، لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.
وتشاء حكمة نظام التوريث السعودي أن يبايع هذان الأميران ملكين أديا من خلال خبرتهما الإدارية والسياسية الطويلة، خدمات جلى لعروبة وإسلام السعودية والعرب. وفي السياسة الخارجية، ساهم الراحل الملك فهد بن عبد العزيز وأخوه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، في تنقية العلاقات المصرية - السعودية، من شوائب علقت بها في العهدين الناصري والساداتي.
وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يواصل مسيرة إخوانه في تركيز العلاقات الثنائية مع مصر، على أسس تجاوزت التقارب العاطفي بين الأشقاء، إلى ما يلبي طموح كل العرب الغيورين على تضامن العرب، وحماية الكرامة العربية التي أهدرها استغلال إيران للمزايدة في القضية الفلسطينية، من أجل اختراق المشرق العربي، ثم الالتفاف على الخليج وصولا إلى اليمن، منتهزة الفراغ السياسي، في هذا البلد ذي الأهمية القومية والجيوسياسية الكبيرة.
في تأملي للحياة العربية المعاصرة، لا أهجو الجيل الجديد عندما أقول إنه أقل وعيا من جيل الأربعينات والخمسينات، لأهمية الانتماء إلى هوية قومية واحدة تسمو فوق الانتماءات الأضيق للطائفة. والمذهب. والعشيرة. والعنصرية. في المشرق، كان النضال الوطني ضد الاستعمار قوميا بكل ما في الكلمة من معنى. في سوريا، مثلا، كان معظم قادة هذا النضال من أصول عنصرية سالفة تركية. أو كردية. أو مملوكية عريقة في تعربها. وجميعهم لم يتفوهوا بكلمة واحدة خارج منطق الإيمان بالعروبة. والوحدة القومية.
كان الإيمان بالديمقراطية السياسية كل ما أخذه ذلك الجيل من الاستعمار الأوروبي. حاول جيل القادة أن تكون دولة الاستقلال ديمقراطية فعلا. لكن الجيل الشبابي الذي تلاه، بما فيه الجيل العسكري، كان مشغولا بالتضييق المصلحي على حرية نظام الاستقلال. أو بأدلجة العروبة بآيديولوجيات مستوردة غريبة عنها.
وهكذا، بفعل وجود إيمان قومي ووطني بوحدة المصير، تمكن الإعلام المصري الناصري من إلهاب الشعور القومي، بعدالة حق مصر في استملاك شركة قناة السويس الاستعمارية. فعمت المظاهرات الشعبية في المشرق والمغرب ضد دول العدوان الثلاثي. ووصلت سوريا إلى درجة الاستعداد للدخول في الحرب إلى جانب مصر. ثم نسفت أنابيب شركة نفط العراق البريطانية. وأطفئت الأنوار ليلا في دمشق والمدن السورية، من قبيل الوقاية من الغارات الجوية لدول العدوان.
وفي حرب السويس لانتزاع مدخل البحر الأحمر الشمالي من قبضة التحكم الاستعماري الأوروبي، ولد الإيمان العاطفي الشعبي بالوحدة القومية الفورية. وبالفعل، تمت الوحدة بين مصر وسوريا، بعد عامين فقط من تلك الحرب (1958). لست هنا اليوم في مجال الحديث عن تلك الوحدة، وأسباب نجاحها وفشلها. إنما عن المقارنة بين الشعور الشعبي العربي الملتهب آنذاك. والوعي العربي العام اليوم إزاء الحرب اليمنية الدائرة الآن للسيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر العربي.
ضعف التربية القومية للأجيال التي تلت جيل النضال والاستقلال، أدى إلى التقصير في توعية الرأي العام الشعبي والسياسي، بالقضية اليمنية التي تمس مصير العرب جميعا. رفع نظام السبعينات العربي شعارات الراحل عبد الناصر القومية. لكن مارس سياسته القمعية ضد المعارضات اليسارية والليبرالية.
في سوريا والعراق، أنشأ النظام البعثي الطائفي والعشيري جامعات تدرس الثقافة القومية، من خطب ومفاهيم صدام والأسد المتخلفة والساذجة، في إنشائيتها الخشبية، فيما سارعت المؤسسات الدينية الرديفة للنظام إلى حشو عقول الأجيال المتعاقبة، بثقافة التلقين والتحفيظ التراثية.
وعندما نشبت الانتفاضات العربية، كانت الشرائح الثقافية الليبرالية والقومية من الضعف والوهن، بحيث عجزت عن قيادة الشارع الشعبي الملتهب، في حين سارعت القوى الدينية المتسيسة والمتزمتة، إلى استلاب قوى الشارع المهيأة للتحرك على أساس ديني مذهبي أو طائفي، بتشجيع وتضليل من قوى إقليمية.
أضرب مثلا بالإعلام العربي الذي عجز في الوهلة الأولى، عن إدراك الحافز الخليجي والقومي الذي دفع السعودية إلى المبادرة، لإنقاذ اليمنيين من أنفسهم. ومن إيران، ولحماية عروبة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر (باب المندب) وحرية الملاحة فيه.
في تردده وحرجه، راح الإعلام العربي في أبراجه المخملية الورقية والفضائية، يتغنى بحقوق الإنسان! ويجاري الإعلام الغربي في «التأسف» على ضحايا الحرب. ولم يدرك الإعلاميون إلا متأخرين، ماذا تعني المبادرة السعودية. الخليجية. المصرية في اليمن؟ وما هو واجب الإعلام في تحريك وإيقاظ الشعور القومي المشترك؟
في مبادرته اليمنية، تبدو قدرة الملك سلمان بن عبد العزيز في توحيد الأنظمة العربية، وكسب قوى الشارع الشعبي. والرأي العام السياسي، فيما ينتقل الجهد العسكري من مرحلة القصف الجوي، إلى مرحلة الجهد العسكري البري.
هناك اليوم أساطيل وطائرات سعودية. خليجية. مصرية تحرس باب المندب وجزره. هناك قوات النخبة العسكرية السعودية تقاتل جنبا إلى جنب، مع القوى اليمنية الرافضة للهيمنة الحوثية - الإيرانية المتسترة، بحلفها الظلامي مع علي عبد الله صالح الذي يجد في بشار أنموذجا يستلهمه في التضحية بجيشه. ويقلده في قتل شعبه.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر ماذا تعني حماية عروبة البحر الأحمر



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab