المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

 العرب اليوم -

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني

بقلم :غسان الإمام

 لذين منحوا نابليون الفضل المبكر في يقظة العرب. وتأسيس المشروع السياسي الوطني أو القومي الوهابية. والسنوسية. والمهدية، انتشال الإسلام العربي من البدع. والتغول في التأويل. وتقديس مخطئون. أقول إن المشروع الديني العربي سبق المشروع السياسي بنحو قرن من الزمان. فكان هدف الأضرحة... والعودة به إلى نقائه الذي كان عليه عند «السلف الصالح».

كل من السنوسية والمهدية إصلاحية دينية. صحراوية متقشفة. ومتزهدة. لكن المهدية السودانية استلهمت الإسلام الشيعي في اعتقاده بوجود المهدي! فأضفى أئمتها على أنفسهم نوعًا من القداسة الغامضة. أما الوهابية فقد أكدت على التمسك بالقرآن. والسنة النبوية. والشريعة المقدسة. واعتبرت كل «ُمْحَدَثة بالدين هي بدعة». فأصول الدين عندها ثابتة. ومقدسة. مع الحزم في تطبيقها.

تصَّوفت السنوسية. وتزهدت. وتراجع نفوذ المهدية ومداها الحيوي كثيرًا. لكن في العلاقة مع الإمبراطورية العثمانية. والصراع مع الاستعمار الغربي، فقد اضطرت المشاريع الدينية الثلاثة إلى التسُّيس. فأرسى الإصلاحي محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود الدولة السعودية الأولى باكرًا (1744).

أما المهدية فقد اشتبكت مع الحكم الثنائي البريطاني/ المصري للسودان، في حروب وسلام. ومارس المهدي قطع الرؤوس. فقطع رأس الجنرال تشارلز غوردون في الخرطوم. ثم استكان نجله عبد الرحمن المهدي للحكم الإنجليزي. وعارض بشدة مشروع «وحدة وادي النيل» مع مصر.

واضطرت السنوسية إلى تأسيس ملكية دستورية، بعد الحرب العالمية الثانية (1951). لكن قبضة الملك إدريس السنوسي المتسامحة. والمتراخية، مَّكنت حفنة من الضباط الصغار بقيادة الملازم معمر القذافي، من قلب النظام وإعلان الجمهورية. فعاش الملك بقية حياته لاجئا في مصر. دفعت الدولتان السعوديتان الأولى والثانية ثمنًا غاليًا، في المواجهة مع الإمبراطورية العثمانية التي أوقعت بين المشروعين الديني السعودي، ومشروع محمد علي العلماني في مصر. وكان المشروع السعودي في انتظار الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن، لتأسيس المملكة العربية السعودية (1932). فحقق أول مشروع عربي وحدوي، بتوحيد نجد. والحجاز. والأحساء.

وصل المدى الحيوي للمشروع السعودي إلى الذروة في المرحلة العصيبة الراهنة. فغدت السعودية أمل العرب، في تحدي ومقاومة المشروع الطائفي الإيراني، للهيمنة على الخليج. والمشرق. واليمن. ولبنان. والعراق. وعاد ملايين العرب الذين عملوا في السعودية إلى بلدانهم. وهم أكثر تقية. وتدينًا. أود أن أضيف مشروع خير الدين باشا التونسي إلى المشاريع الدينية التي ذكرتها. فقد كان أكثرها ليبرالية، في محاولته التكييف بين الإسلام والعصر. وأحسب أنه كان مقدمة للبورقيبية المتوسطية في القرن العشرين.

سيرة خير الدين فيلم مغامرات لم تخطر في بال هوليوود. فقد ولد في القفقاص. جنده الروس. فأسره الأتراك. بيع الفتى رقيقًا في إسطنبول. فاستقر في عهدة الباي حاكم تونس. تفتحت موهبة خير الدين على المعرفة والعلم. فارتقى في الإدارة ليصبح رئيسًا للحكومة. أصلح الإدارة. ألغى الضرائب الباهظة. فازدهرت الزراعة.ُعني باللغة العربية. وتدريس علوم الدين، بما لا يمس ثوابت القرآن. والسنة. والشريعة.

طار صيت الإصلاحي خير الدين التونسي. فاستدعاه السلطان العثماني عبد الحميد. فولاه الإصلاح المالي. فالباب العالي (رئاسة الحكومة). فأصر خير الدين على الشورى (الديمقراطية). ومحاربة الفساد. والاستبداد. ثم استقال ليموت مغمومًا (1880). فقد بلغت الإمبراطورية العثمانية من التهالك آنذاك، بحيث لم يكن الخليفة المتقلب عبد الحميد قادرًا على مساندته في وقف التدهور.

تقاطع المشروعان الديني والسياسي مرارًا في العالم العربي. بل تسيس المشروع الديني. ونافس المشروع الوطني والقومي على السلطة. لكن أوروبا نجحت في إحباط مشروع محمد علي الذي رأى في الإمبراطورية العثمانية عقبة كأداء أمام إقامة وحدة عربية. (حاول نجله إبراهيم احتلال إسطنبول بجيش مدرب من الفلاحين المصريين. وأقام وحدة مع سوريا). وألزمته بالاكتفاء بمصر. مات إبراهيم باكرًا. ولم يكن أنجالمحمد علي الآخرون على مستوى طموحه. ودراية أخيهم إبراهيم العسكرية.

ثم تقاطع المشروع الديني الإخواني مع المشروع الثقافي المصري الذي تقبل ليبرالية جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الدينية. سعى مثقفو العشرينات والثلاثينات المصريون إلى التوفيق بين ثقافة التراث والثقافات الإنسانية. ثم كان على مصر أن تنتظر جمال عبد الناصر، لإحياء المشروع القومي، بوحدة مصرية. سورية (1961 ­ 1958). فقاومه المشروع الديني. ثم قوضت أميركا وأوروبا المشروع الناصري، باستعمال المشروع العسكري الصهيوني/ الاستيطاني ضده.

الموت المبكر لعبد الناصر (1970) أتاح المجال لنشوء نظام جمهوري عربي، على مفرق السبعينات، في مصر.
سوريا. العراق. ليبيا. السودان. حكم هذا النظام شخصيات قمعية مغرقة في فرديتها. فرفعت شعارات عبد
الناصر القومية للتستر على مشاريعها الضيقة.

وهكذا يولد المشروع الساداتي/ الإسرائيلي. وانتهى بمصرع صاحبه برصاص المشروع الديني المتزمت. وفي سوريا، ورط المشروع الطائفي العلوي عبد الناصر في حرب النكسة (1967). ثم خرج على العروبة بحلفه الخياني مع المشروع الديني في إيران الخميني الطامح للهيمنة على الخليج والمشرق.

ورث المشروع البعثي المشروع الهاشمي القومي الذي فقد رائده الملك فيصل بن الحسين. فحوصر المشروع في الأردن البلد الصحراوي الصغير الذي لا يملك موارد ومقومات الدولة. وفقدت سوريا زعيمها الشعبوي عبد الرحمن الشهبندر الذي اغتاله المشروع الديني المتزمت (1940). أعتقد أن هذا الطبيب كان قادرًا على إنزال السوريين إلى الشارع، لإحباط الانقلابات العسكرية الكلاسيكية في الأربعينات، تمامًا كما فعل إردوغان.

أخفق قادة «البعث» ومثقفوه مرتين: قضوا على الحرية قبل أن يقيموا وحدة قومية مع الناصرية المصرية. عسكر أكرم الحوراني الطائفة العلوية. وظن نده ميشيل عفلق أنه قادر على حكم سوريا بجيش الطائفة! في هذه التقاطعات المتناقضة، فقد الشارعان المصري والمشرقي زخم القومية. باتت المجتمعات العربية اليوم أشلاء مبعثرة. موزعة على مشاريع دينية ضيقة. ومتزمتة. باستثناء المشروع الديني التونسي (النهضة) الذي يستلهم ديمقراطية الإسلام التركي التي هددها الانقلاب العسكري الفاشل.

في تفسير ما يجري من تناقضات وتقاطعات، أدعو الإعلام العربي إلى الاستعانة بعلماء الاجتماع. والسياسة. والتاريخ. والاقتصاد في الأكاديميات الجامعية. وعدم الاعتماد فقط على «دكاترة» التعليق السياسي. هؤلاء غير قادرين على توعية الرأي العام التائه. والمبعثر، برأي مستقل. أو الالتزام بموقف واضح.

arabstoday

GMT 00:57 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الـ«روبوت» ينافس الصين في هذا القرن

GMT 05:21 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والإدارة والتنمية

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 06:22 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شخصيات وراثية

GMT 06:14 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رؤية للمستقبل من خلال الحاضر العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني المدى الحيوي للمشروع العربي السياسي والديني



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab