منذ أن بدأ العلم ينفصل عن الدين في عصر التنوير، بُذلت جهود لعلمنة الدين. والبحث عن أسس له في المنطق والفلسفة. والنأي به عن الأسطورة التي ألصقت به وبالأنبياء.
وعُقدت لهذا الغرض سلسلة مؤتمرات في الغرب. وصدرت عدة نشرات ومطبوعات تحت عناوين تدل على البحوث التي جرت في هذا الشأن، مثل العلم والمسألة الروحية. والثيولوجيا والعلوم الطبيعية. والخلاف بين الدين والعلم. وبين الإيمان والعقل. والبرهان على الدين بالعلم. والبرهان على الإيمان باليقين.
الغرض النهائي لهذه الجهود محاولة الجمع بين الإيمان الديني والعلوم على أرضية مشتركة. وتجديد الخطاب الديني بالبحث عن أسس ونظريات له، كي لا يبقى اجتهادات خاضعة لظروف ينشأ فيها التزمّت في تفسير الدين. أو التطرف في إنكار ونقض الإيمان.
كل ذلك جرى بالنسبة إلى المسيحية. خصوصاً في البلدان التي قامت فيها مذاهب كالبروتستانتية واللوثرية، متحررة من الصورة. والتماثيل (الأصنام). والاكتفاء بالصليب كرمز وحيد للدين عند المسيحيين. وكالهلال عند المسلمين. لكن الإعلان الملكي في السعودية عن إقامة مجمع علمي لضبط الاستشهاد بالأحاديث النبوية في الفتاوى جاء ضرورياً وواقعياً.
«العلمنة» مفردة غير مرغوبة لدى رجال الدين وعامة المسلمين. مع أنها جهد مبكر جداً في تاريخ الإسلام. فقد اجتهد علماء كثر في ضبط الأحاديث النبوية، بالدلالة على الصحيح والمشكوك فيها. وبالمقارنة مع العلم، أقول إنه قام على جملة نظريات وبديهيات للبرهنة. والتأكيد. والتأصيل، ليكون العلم علماً. أي مبنياً على حقائق. ووقائع. وتجارب.
لكن العلم له حدوده التي تحتاج دائماً إلى البرهان. وهكذا، فقد تمسك الدين على سبيل المثال، بنظرية «الخلق». فتم بها دحض «نظرية النشوء والارتقاء» عند تشارلز داروين التي تنطوي، في جانبها الاجتماعي والديني، على عنصرية تدّعي أن «الترقي» اقتصر على أقوام إنسانية معينة كانت مهيأة للتطور والتقدم، فيما عجزت أقوام أخرى عن ذلك (أقوام عالمثالثوية).
الحديث الآن عن احتمال وجود كائنات حية على شكل الإنسان، أو على أشكال أخرى، في مجّرات تبعد عنا بملايين السنين الضوئية، يفرض السؤال عن موقف الدين والعلم من هذه الحياة البعيدة.
قد يقول العلم إن موقفه من هذه القضايا الكونية، ينتظر الإثبات العلمي على وجود حياة هناك. أما الدين فلديه فوراً «نظرية الخلق». فإذا كانت هناك حياة في المجرات الأخرى، فلا بد أنها مخلوقة كالإنسان.
مع عودة الدين لاحتلال مكان الصورة في الاهتمام الإنساني والاجتماعي المعاصر، فهناك فكر جديد يبحث في ضرورة تحقيق تقارب بين الدين والعلم. وتنظيم مناهج للبحث والدراسة في هذا المجال في الجامعات والثانويات الغربية، وعدم قصره على رجال الدين وعلمائه وحدهم.
لكن بعض العلماء يتفقون مع غالبية رجال الدين، على ضرورة ترك الدين والعلم ليأخذا طريقين منفصلين. فليس من الضرورة البحث في الكتب المقدسة عن علاج طبي. أو لتأكيد فتوى تقترح إرضاع المرأة للذكور البالغين، لإجازة جلوسهم وعملهم كأبناء وأشقاء، معها في غرفة واحدة.
هل يمكن إرسال المفكر والشاعر أدونيس، على متن مركب صناعي فضائي، إلى كوكب من كواكب المجرات الفضائية البعيدة عنا؟ وما المطلوب من أدونيس أن يفعل هناك؟
أدونيس يعتقد أنه أسس في «الثابت والمتحول» نظرية نقدية. خلاصتها أن «الوحدانية الإلهية» أثَّرت سلباً على حرية العقل، فيما يباهي رجال الدين والمفكرون الإسلاميون، الأديان الأخرى، بأن الإسلام نادى بوحدانية الله، جلَّت حكمته، فهو لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له أحد كفواً أو شريكاً.
وبالتالي، فقد تجاوز الإسلام عقدة تكاثر الآلهة والأنبياء في الأديان الأخرى. فكان للدين كتاب مقدس واحد (القرآن الكريم). وكان للإسلام نبي واحد، الأمر الذي أعفى الدين، من إهالة رتبة القداسة وغيبياتها على المذهب السني. فلا أسرار فيه. فهو مذهب مفتوح. لا غموض فيه يلتبس على القارئ. والدارس. والباحث.
أدونيس اليوم في السابعة بعد الثمانين من العمر. فجسده الرقيق لا يحتمل مشاقّ رحلة، إن نجح في الذهاب، فليس مضموناً النجاح له في الإياب. فضلاً عن أن الرحلة قد تستغرق، على أقل تقدير، سنة. وربما مائة سنة. وليس هناك فائض من وقت في عمر أدونيس تستغرقه رحلة لم يتهيأ لها. ولم يفكر في حياته أن يقوم بها، بدليل أنه بنى قبراً فخماً له يكفي لتخليد ذكراه في قريته «قصابين».
مع ذلك، لنفترض جدلاً أن أدونيس قام بالرحلة الأسطورية. فماذا هو قادر على فعله هناك؟ هل هو مؤهل لإجراء حوار مع الجن أو الإنس؟ لا أحد يشكّ في ذكاء أدونيس. لكن إذا كان سكان المجرات المزعومون، فعلاً أكثر ذكاءً منه ومنا؟ فسنتعرض – من دون قصد منه - إلى الإبادة. أو إلى استعمار كوني، أين منه الاستعمار الأرضي؟ وأين منه الأسلحة الدفاعية الواقية، بما فيها قنبلة كيم جونغ أون الذي تعهد بقذف ترمب بها. فهل يرضى بأن يستعملها في إبادة غزاة الأرض؟
الاحتمال الافتراضي الأسوأ هو نجاح أدونيس في إقناع سكان المجرات بهواجسه الدينية. وبنظم الشعر المنثور. على طريقته وطريقة يوسف الخال. سيكون شعر المجرات المكسور بمثابة إشعاعات سامة سوف تصل إلى أحفادنا. وتدمر ذائقتهم الشعرية. تماماً كما دمر أدونيس ذائقتنا. فلم نعد نستمتع بأوزان وقوافي صابر فلحوط شاعر الصحافة السورية الحكومية التي «فلحطها» في مديح نظام بشار وأبيه.
عاد أدونيس إلى تأييد نظام بشار، مؤكداً أن المعارضة المسلحة المهزومة هي التي بادأته باستخدام السلاح، لذلك عاقبها بوتين باستخدام الفيتو، نافياً وصول غاز السارين إلى مجلس الأمن، بدليل أن أعضاء المجلس ما زالوا على قيد الحياة. بعد كل ذلك، غدا أدونيس بعيداً عن دول جائزة نوبل مسافة أبعد من كواكب المجرات الكونية.
لست مع معاقبة أدونيس، بتطليقه من السيدة الفاضلة زوجته. أو الاعتداء عليه بلكمة قاضية. أو آلة حادة. لسبب وحيد. وهو أن العلم يحاول الاقتراب من الأديان، للتعايش معها على أرضية مشتركة، في عصر ما بعد الحداثة الذي لم يصل أدونيس إليه بعدُ.