الإخوان بين شرعيتهم الحاكمية والشرعية الشعبية

"الإخوان" بين شرعيتهم "الحاكمية" والشرعية الشعبية

"الإخوان" بين شرعيتهم "الحاكمية" والشرعية الشعبية

 العرب اليوم -

الإخوان بين شرعيتهم الحاكمية والشرعية الشعبية

غسان الإمام

الحاضر هو الوارث الشرعي للماضي بكل إيجابياته وسلبياته. الماضوي الإيجابي يتمثل بعاملين مصيريين: اكتشاف العرب كونهم أمة. وتقديمهم الإسلام إلى العالم كرسالة أخلاقية وثقافية تنطوي على المساواة المدنية بين المسلمين. الماضوي السلبي تمثل بإغلاق باب الاجتهاد، نتيجة الخوف الشديد على نقاء الإسلام كدين ومذهب. هذا الانغلاق أَوْدَى بقدرة العقل على الإبداع الفكري والعلمي. حركات الإصلاح الديني المبكرة نبهت العرب والمسلمين إلى واقعهم المتردي. ثم أنجب النضال ضد الاستعمار الحديث حركات ديمقراطية ذات تعددية فكرية وسياسية قائمة، على التوفيق بين التراث الديني والأدبي، والثقافات الإنسانية. والقبول بالدولة المدنية الحداثية، كشكل سياسي كانت مهمته توفير فرص اللحاق بالتقدم الحضاري العالمي. في مقابل هذه الثقافة التعددية الإنسانية التي أنتجت أدبا خصبا، نشأت حركات الردة ضدها. وفي مقدمتها الحركتان الإخوانية والخمينية اللتان ارتديتا لباس المذهبية الدينية المتسيسة. وجاهدتا للوصول إلى السلطة. كان الهدف تدمير هذه الازدواجية الحداثية، باتهامها ظلما بالقطيعة والعداء للماضوية الدينية. وهكذا، فالتفسير الفكري والسياسي للصراع بين الانفتاح والانغلاق الذي انقلب دمويا في مصر، يقوم على رفض الشعب المؤمن دينيا قبول السلطانية الحكومية الإخوانية، بعدما اكتشف أنها معادية للشورى وللديمقراطية، وعاجزة عن تحقيق تنمية اقتصادية وتموينية توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة الآمنة. رد الفعل الآخر والأعمق ضد هذه الحاكمية الإخوانية تجسد في نزول القوى الليبرالية السياسية والثقافية، بما فيها الشباب أصحاب الثورة الحقيقية، إلى الشارع لإقناع «الإخوان» بأن العودة إلى الانغلاق الديني. الثقافي. السياسي، بات مستحيلا. تناقضت أميركا أوباما وأوروبا الغربية مع «العلمانية»، بإلقاء ثقلهما وراء الإسلام السياسي (الإخواني وما شابهه)، كبديل لنظام السبعينات الرئاسي. هذا «الكارت بلانش» الممنوح لحاكمية المرجعية الإخوانية والتركية شجعهما على استعجال تقويض القيم والأُطُر السياسية. الإدارية. الثقافية، لهذه الازدواجية التراثية/ الحداثية. في هذا الصراع بين الديني والسياسي المتواصل منذ الثمانينات، نجح الإسلام السياسي بتقييد المؤسسة الوحيدة التي تملك قوة التدخل، وربما الحسم. جرى تحييد المؤسسة العسكرية في تركيا، والاستيلاء عليها في إيران. باستثناء مصر التي انحازت فيها المؤسسة العسكرية، بعد تردد، إلى الشعب وقواه الشبابية والليبرالية. وأزاحت السلطانية الإخوانية عن الحكم والسلطة. وربما أنقذت في ذلك قيم مصر الحداثية. قد تقول لي، يا قارئي العزيز، أنت تتناقض مع نفسك. لماذا لا تصنف المؤسسة العسكرية الحاكمة في سوريا، كرديف مماثل للمؤسسة العسكرية المصرية؟ الجواب هو في أن عسكر مصر انحازوا بوطنيتهم إلى الشعب. أما في سوريا، وفي غباء منقطع النظير، وضع بشار الأسد الجيش الطائفي ضد الشعب المسالم. هذا الشاب غير الناضج سياسيا. وفكريا، غير واعٍ أيضا لحكم التاريخ عليه، عندما يصنّفه كطاغية حارب شعبه. دمر مدنه. قراه. اقتصاده، لصالح طائفته الحاكمة، ولخدمة قوة أجنبية (إيران). المثقف، إذا لم تشكل ثقافته رأيا وموقفا في الحياة والسياسة، يغدو حاكما مترددا. ضعيفا. هذه مأساة المثقف أوباما الذي يشن حملة ظالمة على الثورة التصحيحية في مصر. حملة مُركزَة أساسًا على المؤسسة العسكرية الوطنية، ورجلها القوي الفريق عبد الفتاح السيسي! البكائية الأورو/ أميركية على انهيار السلطانية الإخوانية تهرق الدموع على حقوق الإنسان «المغتصبة» في مصر. ثم تمسح الدموع بمنديل البكائية الإخوانية على «الحاكمية الشرعية». فقدت هذه الحاكمية الغيبية فرصة ممتازة لرد الكرامة إلى المواطن المصري العادي. بل فاجأته، قبل الانتفاضة الوشيكة، بصيحة منكرة من مكتب الإرشاد: «طز في مصر»! «مكتب الإرشاد» غير المسؤول. وغير المنتخب شعبيا، بل وغير الواعي لعروبة مصر، هو الذي جنى على رجله الحاكم محمد مرسي. فقد أوفده إلى إيران وتركيا، لمفاتحتهما في إقامة محور ديني إقليمي ضد من؟ آه. ضد عروبة الخليج ودوله المدافعة عن عروبة مصر وسوريا! الثورات النبيلة تصفح. لا تقدم الحكام المتعاقبين إلى القضاء باتهام غير جدي وضئيل. هكذا فعل النبي العربي الكريم عندما دخل مكة فاتحا. قال لأهله وقومه الذين حاربوه: «اذهبوا. فأنتم الطلقاء». إذا كان من اتهام جاد لمرسي. فليكن قائما على أساس محاولته إنشاء حلف مضاد لعروبة ومصالح مصر. والسعودية. والخليج. ثم إصدار عفو بالصفح عنه. في زمن الحروب والثورات، يغدو القضاء مجرد «انتقام في ثوب عدل»، كما عنون الراحل المازني تعليقا على محاكمة نورمبرغ للنازيين الألمان المهزومين في حرب عالمية. من هنا، فالصفح عن الإخوان يغدو مغفرة وطنية من القضاء الذي حاربه مرسي والإخوان، مهددين ألوف القضاة بالتسريح. ومهددين قوى الأمن بالأخونة. ومستهينين بكرامة الدولة، بتعيين إخوان لا يملكون الخبرة الإدارية محافظين، بل اختاروا «جهاديا» محافظا للأقصر، حيث «ذبح الجهاديون» قبل توبتهم عن العنف، سياحا أبرياء، كان من الواجب الديني والأخلاقي أن يكونوا آمنين في ضيافة مصر. قبول الحكومة الانتقالية السريع لاستقالة محمد البرادعي، يستند إلى الإيمان بأن لا وقت للتردد في لحظة الحسم. ظن الرجل أن الحسم مع الإخوان المعتصمين في الشارع يحرج موقفه الدولي، متناسيا أنهم حولوا مسجد «رابعة العدوية» إلى منصَّة انطلاق للعنف والتخريب في القاهرة وسائر أنحاء مصر. كان من واجب البرادعي، كنائب للرئيس للشؤون الدولية، أن يقدم إلى العالم شرحا وافيا لـ«خطة الطريق» التي التزم بها الحكم الانتقالي والجيش لاستعادة الديمقراطية. كان عليه أن يعلن أمام الغرب بدء تنفيذ الخطة فورا: تعديل الدستور «الإخواني». تحديد مهل ومواعيد مختصرة لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية. بدلا من أن يدفن رأسه كنعامة في الرمال! نعم، خسر هذا المثقف المتردد فرصه «الرئاسية». وربما مستقبله السياسي. أضاع البرادعي موضع الثقة في ساعة الخطر على مصر. وفقد ثقة حزبه. وثقة عشرات الألوف من أهالي وسكان الأحياء المحيطة بمسجد «رابعة العدوية» الذين طاردوا فلول الإخوان الهاربين. فقد استفزهم تحويل المسجد الجميل إلى خيمة اعتصام تنبعث منه بشاعة القاذورات والروائح الكريهة. فقد نسي الإخوان أن «النظافة من الإيمان». ظاهرة الاعتصام في الشارع معروفة في عواصم العالم الحضاري. باتت تتجاوز التظاهر للاحتجاج السلمي. تحولُ الظاهرة إلى العنف ليس لنسف النظام، إنما نتيجة للمرارة الشبابية إزاء البطالة التي تخيب الأمل في مستقبل مستقر. كان حزب الله أول من نسخ الظاهرة الغربية، معتصما في قلب بيروت. تحولت الخيام إلى مقاهٍ للشيشة. وخلفها برك النفايات والقاذورات. فأسقط حكومة فؤاد السنيورة. وعطل الحركتين التجارية والمرورية. وهاهم الإخوان يستنسخونها بنقلها «الإبداعي» إلى القاهرة. تبقى جملة تحديات كبرى تواجه أطرافا متعددة في هذا الصراع: التحدي للمؤسسة العسكرية المصرية، في المحافظة على وحدتها وانضباطها وراء قيادتها. وفي التحامها بشعبها. وفي التزامها باستعادة ديمقراطيته المخطوفة. لقد اكتشف المصريون كم كانوا مخطئين في سلبيتهم تجاه جيشهم الوطني. ثم التحدي للخليج، في مزيد من التنسيق بين دوله، لدعم ثورة مصر الثانية، والمساهمة في تبديد الضغوط الخارجية التي وصلت إلى حد مطالبة أوباما وأوروبا، بإلغاء حالة الطوارئ لتمكين الإخوان من العبث بأمن وسلامة مصر، وتمزيق سلامها المدني وانسجامها الطائفي. وأيضا التحدي لحماس التي التزمت بالحياد الفلسطيني. فانسحبت من النظام السوري. وعليها الانسحاب من سيناء حيث ازدهرت عبر الأنفاق المظلمة التجارة بالمظلة الواقية «للجهاديين» وتوجيههم ضد أمن الدولة في مصر. فالدولة في مصر دولة تعرف قبائل سيناء أنه لا يمكن العبث بأمنها ووحدتها، منذ سبعة آلاف سنة وسنة.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإخوان بين شرعيتهم الحاكمية والشرعية الشعبية الإخوان بين شرعيتهم الحاكمية والشرعية الشعبية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab