الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية  العسكرية السورية

الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية / العسكرية السورية

الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية / العسكرية السورية

 العرب اليوم -

الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية  العسكرية السورية

غسان الإمام

بناء مؤسسات النظام الجمهوري الجديد، على قاعدة التسييس. التخريب. «التطييف». «الأخونة». الأسلمة، هو أشد خطرا من الأخطاء التي ارتكبها النظام القديم، وأدّت إلى انهياره. تكرار الخطأ يخالف جوهر الديمقراطية المنشودة، في ضرورة تحييد المؤسستين الأمنية والعسكرية بالذات، عن السياسة. وعن النظام الحاكم. الدولة «الإخوانية» في مصر تعيد هيكلة وزارة الداخلية، بزرع رجالها الذين يفتقرون إلى الخبرة الأمنية والإدارية، في مختلف مواقع ومرافق الوزارة، وفي تونس. ومصر. والعراق، يجري اختيار المخبرين السريين، من العناصر الحزبية، أو الطائفية المنتمية إلى جنس النظام. أو من العناصر الفاسدة التي احترفت خدمة الأنظمة السابقة. الخطأ يتكرر أيضا في المؤسسة العسكرية في هذه البلدان. نعم، ما زال الحكم «الإخواني» في مصر. وشبيهه في تونس، عاجزين عن أخونة وأسلمة المؤسسة العسكرية الوطنية، فيما قطع «تشييع» هذه المؤسسة مرحلة كبيرة، في عراق نوري المالكي. فصارت قادرة على ارتكاب المذابح الطائفية (مذبحة الحويجة السنية مثالا). أروي ما حدث في المؤسستين العسكرية والأمنية في بلدي سوريا، كمثال ودليل: أب حاكم بقوة الأمر الواقع. ومصاب بخمول الذهن. وَوَهْنِ العقل في آخر العمر، أَقْطَعَ ابنه الشاب الدولة. وعندما حان أجل الأب، نُصِّبَ الولد رئيسا بالوراثة. لا بالكفاءة. توفَّر لبشار من دلال الانتماء. وقوة العائلة. وتسلط الطائفة، ما يكفي للعبث بالمصير. سيطرته المطلقة على المؤسستين الأمنية والعسكرية، أوقعت سوريا والأمن القومي العربي، بمحنة كارثية، لم يعرفها وطن آخر، أو أمة أخرى، منذ الحرب العالمية الثانية. أصلا، كان بناء سوريا كارثيا منذ استقلالها. زوَّر نظامها الديمقراطي الوليد الانتخابات (1947). فانتهز قادة الجيش الذين تربوا في المؤسسة العسكرية الاستعمارية الفرصة. فشنوا سلسلة انقلابات كلاسيكية، انتهت بإعدامهم أو قتلهم (حسني الزعيم. سامي الحناوي. أديب الشيشكلي). كنت شاهدا على التاريخ. شاهدت زنزانات المعتقلات المخابراتية التي بناها الشيشكلي بجانب المقابر. رأيت جمال عبد الناصر يحيِّد الجيش السوري. فيبعد عنه ضباط الآيديولوجيات السياسية. ويلغي التعددية السياسية والحزبية، ليبني الحزب الأوحد للدولة (الاتحاد القومي). فيقلبه ضباط الطبقة التجارية الدمشقية (1961). فيقلبهم ضباط الأقليات الريفيون (1963). استخدم ميشيل عفلق ضباط الأقلية العلوية، للاستيلاء على الحكم (1964). فقلبه هؤلاء (1966) منفردين بحكم سوريا منذ ذلك الحين، متسترين بخرقة «البعث» البالية. ومسقطين الحرية. والديمقراطية، بسيف الديكتاتورية، ومتهمين كل من يعارضهم بالخيانة. العمالة. الرجعية. للتمكين للحكم العسكري الطائفي، لجأ صلاح جديد إلى «تطييف» المؤسستين الأمنية والعسكرية. في توزيع المناصب، وقعت القرعة على العقيد عبد الكريم الجندي، ليترأس أعلى منصب أمني (مكتب الأمن القومي) في الحزب. كان الجندي، الذي اسمرأ إذلال الناس، يزعم أنه سني أمام السنة. إسماعيلي أمام الإسماعيليين. مثقف أمام المثقفين. وعندما انتحر الفارس أو نُحِر (1970) لم يَرْثِهِ أحد، سوى حزب خالد بكداش الشيوعي، في بيان حزبي، يصف فيه الجندي بأنه، في مقدمة أبطال سوريا النضاليين التقدميين. ثم انضم بكداش إلى الجبهة التقدمية (البلغارية) التي فَبْرَكَهَا حافظ الأسد الخصم اللدود لجديد والجندي. واصل حافظ الأسد «تطييف» المؤسستين العسكرية والأمنية. تَمَّ تغيير التركيب العضوي للجيش. فغدا سائق الدبابة علويا. واحتل ضباط الطائفة قيادة الفرق المدرعة والميكانيكية، في سوريا ولبنان المحتل. وأُبعد ضباط السنة، إلى الأقسام المكتبية والمطابخ التموينية. وبات مئات ألوف المجندين الشباب خداما، في مكاتب. ومزارع. وبيوت كبار الضباط الطائفيين. بعد مجزرة حماه (1982)، أفاق حافظ الأسد من غيبوبة المرض، ليجد شقيقه «القائد» رفعت مشتبكا مع زملائه ضباط الطائفة حول الوراثة. (رفعت ضد حلف شقيقه حافظ ونجله بشار مع إيران). كعادته، استعان حافظ بالملايَنَة. والمهاودة، ففك الاشتباك. وأبعد شقيقه ومنافسيه، في بعثات ودورات تدريبية، إلى موسكو. بعد ذلك، عكف حافظ على إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية المخابراتية، إلى أن غدت مهيمنة. ورقيبة، على البلد والمؤسسة العسكرية. فَأَمِنَ حافظ الانقلاب العسكري. وصار لكل محافظ. ووزير. ونائب. وموظف كبير. ورجل أعمال... ضابط مخابراتي يحميه. ويتحكم به. ويحكم. ويكسب. ويربح، من خلاله. عندما حكم الابن زاد الطين بلّة. سلّم بشار الأجهزة الأمنية المتعددة، إلى أقربائه أبناء المافيا العائلية. فتمَّت سيطرة مؤسسة الفساد، على الأمن. الجيش. الاقتصاد... أفسدت المافيا العائلية القضاء. سيق المحتجون. والمثقفون إلى السجون، بأحكام بلا قانون عادل. وهكذا، فجرت المؤسسة الأمنية الاحتجاج السلمي. خُطف الآباء مع أطفالهم، من الميادين والساحات إلى المعتقلات. وتولت المؤسسة العسكرية هدم وتدمير مدنهم. قراهم. مزارعهم. مواشيهم. لم تفعل المؤسستان ما فعلت مثيلتهما العسكرية والأمنية، في مصر وتونس، من حقن للدماء. والانحياز إلى الشعب، في إزاحة الرئيس والنظام. في سوريا، تَرَبَّت المؤسستان على العداء الطائفي للمجتمع. فأنهيتا علاقتهما بالشعب. كيف يمكن إعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، في سوريا ودول النظام الجمهوري الجديد؟ سوريا بحاجة أولا، إلى استعادة اللحمة الوطنية. والأخلاقية السياسية. لا بد من تطعيم مناهج التربية والتعليم، بثقافة الحرية. لا بد من جعل الفقه الدستوري. والقانوني. مادة إجبارية، في كليات الجامعة السورية والمدارس الحربية. ثم يأتي دور السلطة التشريعية، في فرض رقابة الشعب، على هاتين المؤسستين. وتقرير ميزانيتيهما. وكيفية إنفاق مخصصات برامج التسليح. وعد الرئيس المصري محمد مرسي المؤسسة العسكرية، بمنحها الاستقلال الذاتي عن الدولة المدنية. وأعفاها سلفا من الرقابة النيابية، على نشاطها العسكري والاقتصادي! لماذا هذا «التراجع» الإخواني، عن هذا الحق الدستوري للشعب؟ لأن الدولة الإخوانية غير واثقة بنفسها. هي مشغولة بأخونة الدولة. لا في تعزيز السلطة الشعبية، ولا في إقامة مجالس نيابية حرة، تملك الرغبة أو القوة، في فرض الرقابة الدستورية، على المؤسسات العسكرية والمخابراتية. أسلمة النظام السياسي وأخونته، لا تمنحانه رتبة القداسة. ولا تعفيانه من الالتزام بحق الشعب، في بناء دولة ديمقراطية نزيهة لا تمارس الإرهاب، باسم المقاومة والممانعة، داخل سوريا وفي المنطقة العربية. «القيصر» بوتين و«القوميسار» سيرغي لافروف، في ريائهما المكشوف، يقولان للسوريين: حلوا أزمتكم بأنفسكم. ثم يزودان مع خامنئي ونجاد، النظام السوري بالسلاح الذي يقتل السوريين والحل السياسي. سوريا بحاجة إلى حكومة نزيهة. صادقة. كي تثق بها الدول العربية. والدول المعنية بحل الأزمة السورية. إذا كان هذا هو المطلوب من نظام سوري جديد، فهو أيضا مطلوب من إسرائيل. إيران لم تكن تسعى لامتلاك القنبلة المخيفة، لو أن أوروبا لم تزود إسرائيل بها، وبتقنية صنعها. ولم يكن بشار «الكيماوي» وأبوه يجرؤان، على تصنيع وتخزين الغاز الخانق المحرم، لو أن إسرائيل لا تملك كميات منه. ربما تفوق ما تمتلكه سوريا ودول أخرى. نقلا عن جريدة الشرق الاوسط

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية  العسكرية السورية الدور الكارثي للمؤسسة الأمنية  العسكرية السورية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab