هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف»

هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف»

هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف»

 العرب اليوم -

هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف»

غسان الإمام

فصلت الأم الحنون (فرنسا) شيعة البقاع وجنوب لبنان عن ولاية الشام.

وضمتهم إلى «لبنان الكبير» (1920). فعاشوا في العصر الماروني خمسين سنة٬ محرومين من المشاركة الفعلية في السلطة. كان الرئيس الماروني فؤاد شهاب يقول لرئيس الحكومة السّني: «إذا كانت للشيعة حقوق٬ فليأخذوها من السنة». فيرد عليه صائب سلام بمرارة: «وماذا يعطي المغبون للمحروم؟!».
سكن الشاعر سعيد عقل نحو مائة سنة صخرة لبنان المعلقة بالنجوم.

فما عرف في «النأي بالنفس» هناء ولا راحة. فقد لحق به جيرانه الشيعة متوكئين على عصوين. عصا «أمل». وهراوة «حزب الله» الغليظة. فغدا لبنان دولتين تتناجيان. تتحاوران. تتشاكيان. تتناحران. تتهادنان: دولة الطائفة. ودولة الطوائف.

 صحا شاه إيران على حلم العظمة. فأوفد موسى الصدر رجل الدين الثلاثي الهوية (اللبنانية. العراقية. الفارسية) إلى لبنان (٬(1959 مكلفا بسحب شباب الطائفة من أحزاب السياسة. وهكذا ولدت حركة «أمل» على عتبة الحرب اللبنانية (1975).

دخل حافظ الأسد لبنان من نافذة البقاع. فخّيب أمل سّنة لبنان المتعاطفين دائًما مع سّنة سوريا. راهن على شيعة لبنان. فأعلن الصدر الشيعة طائفة محايدة. لا هي تخوض حرب عرفات وكمال جنبلاط على الموارنة.

ولا هي تغفر للموارنة استقالتهم من سوريا الأسد. ودخولهم العصر الإسرائيلي. ورث وليد جنبلاط أملاك أبيه: حزبه الاشتراكي. طائفته الدرزية. وحربه على الموارنة. فانشغل مؤقتا عن اتهام النظام السوري باغتيال أبيه (1977). وانهمك مع السوريين. والفلسطينيين٬ في حرب «سوق الغرب» القرية الوديعة التي حولها «اللواء» ميشال عون٬ خندًقا يمنع الدروز من الوصول إلى بيروت وقصر بعبدا الرئاسي.

كان اغتيال كمال جنبلاط مدوًيا. في زيارته المشؤومة لليبيا (٬(1978 اختفى موسى الصدر (خصم جنبلاط) بمؤامرة أممية (شيوعية. فلسطينية. قذافية). فخسر الأسد التسوية التي أقنع بها صديقه الرئيس سليمان فرنجية (٬(1976 للمساواة العددية بين المسلمين والمسيحيين في عدد نواب السلطة التشريعية. وموظفي الإدارة الحكومية.

صحا الخميني على حلم اليقظة الشاهنشاهي. فواصل العمل في لبنان٬ لسحب شباب الطائفة من أحزاب الطوائف. وحلم بتنظيم طائفي شيعي يوالي إيران. وهكذا ولد «حزب الله» في لبنان (1982). كانت الولادة قيصرية صعبة. دارت المساومة مع النظام العلوي المتورط في لبنان٬ بتكتم شديد في دمشق. وشارك فيها رجالات النظامين. وانتهت بالاتفاق على أن ينسق الحزب المولود مع الوصاية السورية على لبنان. وإطلاق يد إيران باستخدامه٬ في ارتكاب عمليات عنف ديني في العالم العربي والعالم.

إسرائيل لا تستطيع أن تخوض حرًبا طويلة الأمد. الإقامة الطويلة في لبنان بعد الاجتياح صارت باهظة التكاليف بشرًيا ومادًيا. شنت الميليشيات الشيعية. والدرزية. والفلسطينية حرًبا استنزافية. فانكفأت القوات الإسرائيلية إلى الجنوب٬ مكتفية بشريط حدودي ضيق ترابط فيه ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» المسيحي الموالي لإسرائيل.

شهد عقد الثمانينات اللبنانية لعبة أمم مخيفة: حروب مخابراتية. اغتيالات. خطف رهائن وعملاء. حروب طائفية. اشتبكت «أمل» و«حزب الله» في حرب شرسة كلفت الشيعة ألوف القتلى والجرحى (1991 ­ 1987). انهار اللواء السادس (الشيعي) أمام الميليشيا الدرزية. فأخفق في السيطرة على بيروت الغربية (السنية). تفرق أفراده بعدما سلموا أسلحتهم إلى «حزب الله».

نجح عون في الصمود في «سوق الغرب». فرقي إلى رتبة عماد٬ ليقود ما بقي من الجيش اللبناني. فأعلن «حرب التحرير». وهدد الأسد بقصف دمشق بصواريخ صدام. لكنه عملًيا تورط بحرب مسيحية مع ميليشيا «القوات اللبنانية» التي يقودها سمير جعجع المنفصل عن حزب الكتائب. كلفت الحرب المسيحيين 7500 قتيل وجريح. وانتهت عام 1991 بنفي عون إلى فرنسا. واعتراف أميركا بدور «الشرطي السوري» في لبنان. كانت حرب الرهائن المخابراتية كسًبا مؤزًرا لإيران على المخابرات الغربية. حقق «حزب الله» في هذه الحرب القذرة نصًرا كبيًرا٬ بتعذيب الرهائن وقتلهم. وعرضهم أمام الإعلام بإذلال ومهانة. وسبق تلك الحرب إذلال أكبر للقوات الأميركية والفرنسية التي ارتكبت خطأ استراتيجًيا فادًحا بنزولها في بيروت. فاجتاحتها
واجتاحت معها السفارة الأميركية شاحنات الحزب المليئة بالمتفجرات. فقتل 241 جندًيا أميركًيا. و58 فرنسًيا. وانهار مبنى السفارة الأميركية. فقتل مدير محطة  الـ«سي. آي. إيه». تحت أنقاضه. وهرولت القوات الأميركية والفرنسية إلى الانسحاب.

نتيجة لهذه الهزائم٬ خرج لبنان ميدانًيا وعملًيا٬ من دائرة النفوذ الأميركي والفرنسي في نهاية الثمانينات. بالإضافة إلى خسارة المسيحيين الحرب الأهلية. ومقتل الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض. وإجبار الرئيس أمين الجميل على إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل. في التسعينات وامتداًدا إلى عام ٬2005 ازدهرت الوصاية السورية على لبنان. أفسد السوريون الحياة السياسية في لبنان بالابتزاز المرِّوع. وفرض الرؤساء والحكومات. واستثناء «حزب الله» و«أمل» من الإجراءات الصارمة٬ لتجريد الميليشيات من السلاح. كما تم تحييد الميليشيات الفلسطينية الموالية لعرفات. أما الحرب التي شنتها «أمل» بقيادة رئيسها نبيه بري على المخيمات الفلسطينية٬ فأسفرت عن قتل وجرح ألوف المدنيين الفلسطينيين. فقد باتت المخيمات الوطن الذي لا يستطيعون الهرب منه.

لا بد من الاعتراف بتوفر قيادتين ذواَتي نباهة سياسية عالية لـ«أمل» و«حزب الله». تمكن نبيه بري من فرض السيطرة التامة على منظمته٬ على مدى يقرب من ثلاثين عاًما. وإحباط كل المحاولات لإقصائه أو اغتياله. فقد ظلت عيناه الواسعتان معبرتين عن ذكاء الحرفة في التوسط دائًما لإنقاذ «حزب الله» من إحراج انتهاكاته وتجاوزاته الأمنية والسياسية لسلطة الشرعية اللبنانية. أما حسن نصر الله فيتميز بشعبوية خطابه الغوغائي. لكن تورط «حزب الله» بارتكاب المجازر في سوريا. وتدريبه للميليشيات الحوثية في اليمن. والشيعية في العراق... كل ذلك أفقده شعبيته الكبيرة في العالم العربي. وانكشف كأداة في خدمة إيران. اغتيال رفيق الحريري. وانسحاب القوات السورية من لبنان٬ منحا إيران وحزبها حرية أكبر في الهيمنة على لبنان. وتخريب ديمقراطية الطوائف الهشة. وتعطيل السلطتين التشريعية والتنفيذية عن أداء دورهما وعملهما. في مايو (أيار) المقبل٬ ينقضي عامان على لبنان دون رئيس يستطيع القيام بدور الوسيط والحكم بين فرقاء النزاع. ويمنح الجيش اللبناني ترخيًصا بجمع شبيحة الحزب من الشوارع. ووقف تهديداتهم لمؤسسات الإعلام٬ كلما وجهت نقًدا لسياسات ومواقف حسن نصر الله من
العرب والدول العربية.

أخيًرا٬ أقول إنه لا قداسة. ولا حصانة لرجل دين يعمل في السياسة. من حق الإعلام اللبناني والعربي أن يمارس حريته في النقد. ولا يمكن حرمان الكاتب أو رسام الكاريكاتير من الجنة٬ حرًصا على هيبة «القداسة» التي يحيط حسن نصر الله نفسه بها.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 05:48 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

قرار 1701

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 04:32 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

إنّها ثقافة سياسيّة طُرد منها المدنيّون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف» هكذا هيمنت «دولة الطائفة» على «دولة الطوائف»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab