أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً

أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً

أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً

 العرب اليوم -

أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً

حازم صاغية

قد يكون رجب طيب أردوغان، الزعيم الإسلامي ورئيس جمهورية تركيا، على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب تسليم خصمه فتح الله غولن، وقد يكون على خلاف معها بسبب سورية وما يتفرع عن ذلك مما يتعلق بالأسد و «داعش» ومدينة كوباني.

هذا، في آخر المطاف، ممكن ومفهوم. لكن أردوغان جعل الخلاف السياسي يفيض عن حدوده إلى الثقافة والتاريخ، حين زعم أن المسلمين هم مَن اكتشف أميركا قبل مئتي سنة على اكتشاف كريستوف كولومبوس لها، فالبحارة المسلمون، وفق قوله في ملتقى «قيادات المؤسسات الإسلامية في أميركا اللاتينية» الذي انعقد في إسطنبول- وصلوا إليها في وقت يرقى إلى 1178، وكولومبوس نفسه، وفقاً لرواية أردوغان، تحدث عن مسجد وجده فوق تلة على ساحل كوبا.

وهكذا، وبناءً على مساواة خرقاء بين الاكتشاف والاختراع، يغدو المسلمون متفوقين على الأميركيين، لأن المكتشِف هو من يخترع اكتشافه. ثم إن المخترِع -تبعاً لتقدير آخر لا يقل خطلاً- أهم مما يخترعه. على النحو هذا يُرَدّ على الخلاف السياسي مع أميركا بتوكيد أننا علة وجودها. ومن يدري، فمن أوجد الموجود يستطيع أن ينهي وجوده!

على أي حال، فدفع الخلاف السياسي بما يفيض عن السياسة إلى التاريخ والثقافة سمة راسخة من سمات الفكر السياسي في منطقتنا. ولئن رفعت الثورة الإيرانية هذه العملية إلى سوية جعلتها تكتشف «خصوصيةً» تفصلنا عن الغرب ومعارفه، فإن التقليد «الإخواني»، منذ حسن البنا، أرسى هذا النظر إلى ما ينطبق هناك ولا ينطبق هنا، وما يصح عندهم ولا يصح عندنا. وفي التشديد على هذه القطيعة المزعومة كان لا بد من الاعتماد على جرعات متزايدة من الخرافات وعلى نظريات تآمرية لا حصر لها «تفسر» كيف أن الغرب زور التاريخ أو زيف المعاني، مشوهاً صورتنا لصالح صورة له كاذبة ومزغولة. وفي العملية هذه اضطلعت بدور فتاك ترجمةُ بعض أدبيات اللاسامية الأوروبية إلى لغات المنطقة، ذاك أن هناك تاريخاً آخر سرياً يقيم تحت التاريخ، ومعارف أخرى دفينة تسكن خلف المعارف، وما علينا إلا تحرير هذه الكنوز المخبأة التي يموهها أو يحجبها غرب معادٍ.

وكانت إحدى وظائف هذا الجسم الضخم من الكتابات والمواقف، من أشدها تهافتاً إلى أكثرها تعقيداً، إعفاءنا من المسؤولية عما نزل وينزل بنا، وتجميل وضعنا وتاريخنا على السواء تجميلاً لا يحاول تقبيحه إلا تزوير ذاك الغرب المتآمر. وحين أضافت الأفكار اليسارية والقومية الوافدة إلينا أن ذاك الغرب سارق أيضاً، اكتسبت الأفكار الإسلامية عندنا صدقية أعلى وشعبية أوسع، فصارت فصيلاً متقدماً لأيديولوجيا جامعة ومُجمَع عليها.

وبالطبع، فإن عالمنا القمعي والسري كما هندسته أنظمتنا، حيث السياسة سحر وألاعيب فيما المعارف احتكار النخبة المحظوظة، يوفر الاستقبال الأكرم لـ «نبوءات» صغرى تهطل علينا بأمطار تفوق أمطار سمائنا البخيلة.

أما النسخة الأشد طفليةً وبدائيةً عن تلك الأيديولوجيا الجامعة، فاحتفظ بها العقيد معمر القذافي لنفسه، وكان بين الفينة والأخرى يزيدها انحطاطاً بأن يجعلها تلاعباً على الكلمات والألفاظ يستقي منه دلالات ومعاني في غاية الخطورة، فشكسبير هو الشيخ زبير، وأميركا يعود اسمها إلى الأمير كا... وهكذا دواليك.

وقد احتمل العالم شروح القذافي بخليط من الصبر والسخرية، لكنْ أن ينحط زعيم تركيا وصاحب «مصالحة الديموقراطية والإسلام»، إلى السوية القذافية، فهذا ما قد لا يحتمله العالم.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً أردوغان الإسلامي حين ينحطّ قذافياً



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:38 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
 العرب اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab