الرؤوس أم الكراسي

"الرؤوس" أم "الكراسي"؟

"الرؤوس" أم "الكراسي"؟

 العرب اليوم -

الرؤوس أم الكراسي

حازم صاغيّة

هناك في البيئة الثقافيّة السوريّة صوتان متعارضان يمثّل كلّ منهما وجهة نظر بالمعنى العريض للكلمة: صوت يقول إنّ التغيير تغيير في "الكراسي" أوّلاً، قاصداً أنّ الثورة هي إطاحة النظام القائم، رموزاً ومؤسّسات وأجهزة، وصوت آخر يقول إنّ التغيير تغيير في "الرؤوس" أوّلاً (وربّما أخيراً)، قاصداً أنّ الثورة الفعليّة هي إطاحة الاجتماع والثقافة السائدين، وفي الصدارة منهما أفكار الإسلام السياسيّ وقيمه وممارساته. الرأي الأوّل يضع الثقافة بين مزدوجين ويحوّل "الثقافيّ" إلى شتيمة، والرأي الثاني يفعل الشيء نفسه بـ "السياسيّ". وهذا الانتصاف في فهم "الثورة" هو جزئيّاً وليد أفكار واجتهادات، غير أنّه جزئيّاً أيضاً وليد مواقع في التكوين الاجتماعيّ والأهليّ لم يعد من الصعب الاستدلال عليها. إلاّ أنّه، في حالاته جميعاً، يضعف العمل الثوريّ بقدر ما يدلّ إلى ضعف تكوينيّ ينطوي عليه. وبالفعل فإنّ الثورات لا تتمّ ولا يكتمل معناها كثورات إن لم تخلخل، في آخر المطاف، الاجتماع والثقافة القائمين. لكنْ كيف، في حالة سوريّة، يمكن الوصول إلى هدف كهذا من دون تغيير النظام الذي لا ينهض إلاّ على العنف، فيسدّ أبسط أبواب الحرّيّة، ويجعل أدنى شكٍّ جريمة "توهن الأمّة"، فيما يحول دون شعور الفرد، وهو من يُفترض به أن يبادر إلى الشكّ والتغيير، بكرامته الفرديّة؟ وإذا جاز الاستشهاد بمصر وتونس بعد ثورتيهما على "الكراسي"، أمكن القول إنّ الانتقال إلى تغيير "الرؤوس" مرّ حكماً بتغيير تلك "الكراسي". وهذا علماً أنّ عنف النظامين السابقين في مصر وتونس نقطة في بحر العنف الذي غرف النظام الأسديّ ويغرف منه. والحال أنّه في تلك المعمعة السياسيّة وحدها، ومن خلال الصراع على السلطة تحديداً، بل في مناخ يمكن فيه إطلاق الصراع حول السلطة، يصار إلى "توطين نقد الإسلام السياسيّ وتسييسه" (بحسب عبارة سامر فرنجيّة في "الحياة"، ملحق "تيّارات"، يوم الأحد الماضي). في هذا المعنى يُخشى أن تؤدّي المبالغة في نظريّة تغيير "الرؤوس"، وتقديمها في جدول الأولويّات، إلى التهاون في أمر تغيير "الكراسي"، إن لم يكن غضّ النظر عن هذه "الكراسي" وعن شاغليها. والحقّ أنّ تلك المبالغة مسؤولة جزئيّاً، من خلال مسايرتها المديدة لـ "الكراسي"، عن تصدّر الإسلام السياسيّ وقواه مواقع المظلوميّة أوّلاً، ثمّ مواقع التغيير تالياً. لكنّ تغيير "الكراسي"، في المقابل، معنيّ بالإيحاء بأنّ تغيير "الرؤوس" موضوع على جدول الأعمال. وضعف مثل هذا الإيحاء لا يطمئن كثيراً. فهو ما يقود أصحابه بعيداً في ردّة فعل عصبيّة حيال منظّري "الرؤوس أوّلاً". ومن أشكال ردّة الفعل تلك المبالغة في التنصّل من الثقافة والمثقّفين، والاستعداد المتعاظم للتسامح مع سلوكيّات شعبويّة، بل الميل إلى الاحتفال بها وتمجيدها أحياناً، ناهيك عن غضّ النظر عن أعمال متعصّبة لا يجوز بحال من الأحوال غضّ النظر عنها. وأحياناً تندفع ردّة الفعل إيّاها إلى إدانة ما هو غربيّ وما هو متقدّم لأنّ "الشعب" ليس كذلك. نعم، لا ريب في أنّ تغيير "الكراسي" يأتي أوّلاً، غير أنّه من دون المباشرة بتغيير "الرؤوس" قد نجدنا، عاجلاً أو آجلاً، أمام "كراسٍ" أثقل على الصدور والعقول.

arabstoday

GMT 07:02 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 06:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 06:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 06:55 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

GMT 06:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

الحرب على غزة وخطة اليوم التالي

GMT 06:53 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرؤوس أم الكراسي الرؤوس أم الكراسي



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab