بشّار وبوتين وبينهما القنطار

بشّار وبوتين وبينهما القنطار

بشّار وبوتين وبينهما القنطار

 العرب اليوم -

بشّار وبوتين وبينهما القنطار

حازم صاغية

يقول أحد التحليلات التي تناولت الفاشيّة الأوروبيّة إنّ المبالغة في رسم الهويّة الجامعة، المسمّاة أمّةً أو قوميّةً أو دولةً، مقصود بها إنشاء لحمة تجمع بين مَن لا لحمة تجمعهم. هكذا يلتقي حول تلك الهويّة أفراد وجماعات تناقضت مصالحهم وتضاربت، بحيث ينتظم ربّ العمل وعامله، والإقطاعيّ وفلاّحه، في سلك حزبيّ وقوميّ واحد، وفي منظومة أفكار ورموز مشتركة.

بشّار الأسد، الذي لم يستوقف القرارَ الأخير لمجلس الأمن، يمثّل نموذجاً آخر في الجمع بين من لا يجمعهم جامع. لكنّ النموذج البشّاري لا يقوم على المبالغة، بل يقوم، بالعكس، على التخفيف والمناقصة.

فبشّار سمسار وليس إيديولوجيّاً. وهو ساعٍ لأن يروّج سلعة يصعب ترويجها بكلام انتقائيّ من صنف رديء، وليس صاحب أسطورة ينوي فرضها بتماسك مزعوم. بيد أنّه إذ يبتذل المعاني، يكشف الكذب الرخيص الذي انتهت إليه الجماعات المتناقضة المؤيّدة له، تجاوباً منها مع واحد من وجوهه الكثيرة وبعمى كامل عن سائر الوجوه.

فهو عدوّ إسرائيل الذي يدير لها الخدّ الأيسر كلّما ضربته على خدّه الأيمن. وهو وريث تركة العروبة والقوميّة العربيّة البعثيّتين، إلاّ أنّ المقرّبين منه يطلقون تعبير «أعاريب» المهين على ملايين العرب. وهو سليل اشتراكيّة أبيه، لكنّه أيضاً ليبراليّ، بل نيو ليبراليّ، يوصف بأنّه يعرف كيف يخاطب الغرب ويستميله. وهو عروبيّ، على شيء من القوميّة السوريّة، يساريّ، كما يوحي يساريّون، ويمينيّ، كما يوحي يمينيّون. وطبعاً، هو علمانيّ وحامٍ للأقلّيّات، بالتحالف مع قوّات دينيّة وطائفيّة تبدأ بإيران ولا تنتهي بشلل لبنانيّة وعراقيّة وأفغانيّة وباكستانيّة.

ومن جيريمي كوربن البريطانيّ إلى مارين لوبن الفرنسيّة، ومن دونالد ترامب الأميركيّ إلى فلاديمير جيرينوفسكي الروسيّ، ثمّة شيء مشترك يجمع المذكورين ببشّار ابن أبيه. وقد جاءته الهديّة السماويّة، التي هي «داعش»، لتزيد عدد الذين يتفهّمونه ويتقاطعون معه في العالم، بعدما مارسوا تحفّظاً متناقصاً على استبداده.

فـ «داعش» جعل اليمين المحترم أضعف حجّة من اليمين غير المحترم، فإذا أكّد الأوّل قيماً «تفصلنا» عن الأسد، نجح الثاني نجاحاً أكبر في التوكيد على قيم «تجمعنا» بالأسد. وقبل «داعش» وبعده، جرت منافسات مشابهة بين اليسار المحترم واليسار غير المحترم فكسبها الثاني من دون عناء كبير.

لكنّ هذا كلّه في كفّة والعلاقة المثلثّة بروسيا وإسرائيل وإيران في كفّة. فبشّار حليف روسيّا الوطيد والتي تحت مظلّتها وشبكتها الصاروخيّة قُتل سمير القنطار، المقاتل في صفوف «حزب الله». والأخيرون إنّما يقاتلون في سوريّة كرمى لبشّار وإيران بعدما قاتلوا الإسرائيليّين كرمى لإيران.

فكأنّ مقتل القنطار، وقد استكمل الروس بناء ما لم يكن مبنيّاً إبّان مقتل عماد مغنيّة، تنبيه إلى أنّ الجمع بين كلّ هؤلاء الحلفاء قد لا يكون جمعاً، وأنّه قد ينشىء من التضارب أكثر ممّا ينشىء من التحالف.

والجمع بين مشروعين كلٌّ منهما ذو نازع إمبراطوريّ، يستعصي على قادة كبار وتاريخيّين. فكيف على بشّار الأسد؟

أمّا سمير القنطار فثمن صغير من الأثمان التي يرتّبها الجمع بين ما لا يجتمع، بقوّة الخفّة وباقتصار القتل وحده على المنهجيّة والتماسك.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بشّار وبوتين وبينهما القنطار بشّار وبوتين وبينهما القنطار



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab