حروب العرب على عواصمهم

حروب العرب على عواصمهم...

حروب العرب على عواصمهم...

 العرب اليوم -

حروب العرب على عواصمهم

حازم صاغية

في 1982 كانت بيروت أوّل عاصمة عربيّة تخضع لاحتلال إسرائيليّ. كان مجرّد الإشارة إلى هذه الحقيقة جارحاً للعرب، من دون أن يرتّب انجراحُهم شيئاً أو ردّاً ملموسين. لكنّ 1982 سجّل أيضاً آخر احتلال إسرائيليّ لعاصمة عربيّة، وهذا ليس بسبب افتقار الدولة العبريّة إلى القوّة أو إلى الرغبة في الإخضاع، بل لأسباب أخرى تتعلّق بما آلت إليه العواصم نفسها وأحوال شعوبها ومجتمعاتها.
فها هي عاصمة العراق، بغداد، تتعرّض اليوم لمحاولة إخضاع على أيدي «داعش»، فيما عاصمة اليمن، صنعاء، تتعرّض، هي الأخرى، لمحاولة مشابهة يقودها الحوثيّون. أمّا طرابلس التي أُحرق مطارها باشتباكات فصائلها، فثمّة شكّ عميق يكنّه ليبيّو الشرق بجدارتها أن تكون عاصمة. وبدوره فإنّ المشروع الفلسطينيّ المشطور بين الضفّة وغزّة لم يعثر على عاصمة موحّدة، ولو موقّتة في انتظار أن يُبتّ أمر القدس.
وهو تحوّل متعدّد الأوجه والمعاني، متعرّج الطرق:
فمنذ ما قبل 1982 راحت تتبلور القضايا النزاعيّة الكثيرة في العالم العربيّ، وقد تمّ ذاك التبلور واكتمل بحيث غدا البحث عن «قضيّة عربيّة مركزيّة» في مواجهة إسرائيل أشبه بالبحث عن الذهب في الغرب الأميركيّ. وما يعزّز الاستنتاج هذا تزامن الحصارين اللذين تتعرّض لهما بغداد وصنعاء مع الحرب على غزّة التي لم يجد باقي العرب، وسط اهتماماتهم الكثيرة وهمومهم المباشرة، مكاناً للتضامن معها.
ثمّ إنّ إسرائيل لم تعد من يقتحم العواصم ويحتلّها لأنّ العواصم، بوصفها من رموز الوحدة والسيادة الوطنيّتين، لم تعد عواصم. لقد صار «الأهل» الغاضبون هم الذين يقتحمونها، بعدما اقتحموا الحدود وشلّعوها، وهي رمز آخر مهمّ لوحدتهم وسيادتهم المفترضتين. ودائماً هناك قوى إقليميّة يجمعها ببعض «الأهل» تعاطف يشبه التعاطف الذي يجمع قوى إقليميّة أخرى ببعض آخر من «الأهل» أنفسهم.
فاللغة العربيّة جعلت العاصم، وهو مذكّر العاصمة، المانع والحامي، «ولا عاصم من أمر الله»، وبعض اللغات الأوروبيّة أعطى المفردة نفسها، كابيتال، للعاصمة كما للثروة ورأس المال. لكنّ عواصمنا فُرّغت، في تلك الغضون، من هذه المعاني الجليلة ومن مركزيّتها الوطنيّة، بما يعنيه ذلك من اشتراك في المصالح والرغبات تديره سلطة مُتواضَع عليها، لتُحوَّل مجرّد «مواقع استراتيجيّة»، أي أمتاراً مربّعة تتبارى القوى الأهليّة، ومن ورائها تلك الإقليميّة، للإمساك بها وغزوها واستباحتها.
ولمؤرّخ أن يؤرّخ نفورنا المديد من عواصمنا، بوصفها مقارّ السلطة والبيروقراطيّة والقرارين السياسيّ والعسكريّ. وهو نفور تدرّج في مراحل عدّة يُستدلّ على إحداها في مواقف كموقف الأكراد العراقيّين من بغداد، أو كموقف جنوبيّي السودان من الخرطوم، وقد شعروا مبكراً أنّها تتجاهلهم وتهمّشهم وأرادوا ألاّ تكون المصدر الذي يملي عليهم حياتهم. ويُستدلّ على ثانية تلك المراحل في الحرب اللبنانيّة – اللبنانيّة على أسواق بيروت، أي قلب العاصمة، عام 1975. حينذاك كان مفاد الحكمة المشتركة بين المتنازعين أنّ البديل الوحيد عن السيطرة الفئويّة هو الإتلاف الشامل، وفي طريقه إتلاف كلّ اشتراك وكلّ تبادل بين أبناء «الوطن الواحد».
ومسار النفور هذا، بصيغه وأشكاله المتعدّدة، هو ما أثمر اليوم على نحو لم يعد يحوج إسرائيل إلى غزو عاصمة عربيّة. فدمشق، «قلب العروبة النابض» ذات مرّة، غدت عمليّاً عاصمة لطرف سوريّ يرسل الموت والدمار إلى باقي الأطراف السوريّين. أمّا الأخيرون فلن يتردّدوا، إذا ما تسنّت لهم الفرصة، في أن يغزوا دمشق. وشيء مشابه يمكن قوله في معظم العواصم الأخرى التي ارتفعت مع الحدود والأعلام والأناشيد الوطنيّة، وهي اليوم معها تهبط.

arabstoday

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 05:20 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الكتابة في كابوس

GMT 05:18 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان ليس «حزب الله»... وفلسطين ليست «حماس»!

GMT 05:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

جرائم حوادث السير في شوارعنا

GMT 05:15 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نعم... وقت القرارات المؤلمة

GMT 05:14 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حماية لبنان ليست في «القوّة»... أيّة «قوّة»

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 05:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل السنوار... هل يوقف الدمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب العرب على عواصمهم حروب العرب على عواصمهم



هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:56 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
 العرب اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
 العرب اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 العرب اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 07:45 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

آثار التدخين تظل في عظام الشخص حتى بعد موته بـ 100 سنة

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الشاهنشاهية بعد 45 عامًا!

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 05:07 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا أضحت اثنتين

GMT 05:13 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مرّة أخرى... الحنين للملكية في ليبيا وغيرها

GMT 17:11 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز صيحات العبايات المصممة على طراز المعطف لشتاء 2024

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب تونس يعلن إنهاء تعاقده مع فوزي البنزرتي بالتراضي

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كروس يرفض إقامة مباراة وداع خاصة له بعد اعتزال كرة القدم

GMT 19:21 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عملة "بيتكوين" تترجع بنسبة 2.13% مع ترقب نتائج أعمال الشركات

GMT 16:47 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الوجهات السياحية التي تعدّ الأكثر أمانًا في العالم

GMT 21:05 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نيوكاسل الإنكليزي يعلن تجديد عقد أنتوني جوردون

GMT 16:21 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار في الديكور والتدبير المنزلي لجعل المنزل أكثر راحة

GMT 21:10 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الترجي التونسي يطيح بمدربه البرتغالي كاردوزو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab