فلسطين  إسرائيل لم يبق إلاّ هذا التديّن

فلسطين - إسرائيل: لم يبق إلاّ هذا التديّن

فلسطين - إسرائيل: لم يبق إلاّ هذا التديّن

 العرب اليوم -

فلسطين  إسرائيل لم يبق إلاّ هذا التديّن

حازم صاغية

ننسى أحياناً أنّ الاستيطان اليهوديّ، الذي بات اختصاص الدينيّين في إسرائيل، إنّما بدأه ساسة علمانيّون. فهدف المشروع الأصليّ كان «توفير الحدود الآمنة» للدولة العبريّة، بحسب قراءة تلك الدولة للقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب 1967. وقد عبّرت عن هذا التصوّر تسمية المستوطنات «مواقع متقدّمة» (outposts)، إلاّ أنّ المواقع سرعان ما بالغت في تقدّمها فاندفعت بلا رادع أو قيد.

الدينيّون حصدوا لاحقاً ما زرعه الزمنيّون فتماهوا، بشراً وأفكاراً، مع المشروع الذي تقلّص طابعه الوظيفيّ – الاستراتيجيّ لصالح طابع آخر، دينيّ وإيديولوجيّ، يُداهم الفلسطينيّين اليوم ويعتصرهم.

الوجه الآخر للعمليّة هذه رأيناه في المسار الفلسطينيّ. ذاك أنّ الوطنيّة شبه العلمانيّة، كما رمزت إليها منظّمة التحرير وحركة «فتح»، وزعامتا أحمد الشقيري وياسر عرفات، صارت من الماضي، مخلّفةً أشكالاً مفتّتة من الوعي، بعضه بيروقراطيّ معقود على الفساد، وبعضه أهليّ محصور في قرابات لا تني دائرتها تصغر وتنكمش. وإلى الماضي أيضاً انسحب وعي «يساريّ» شعبويّ عبّرت عنه «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين» (التي أيّدت العمليّة الأخيرة في كنيس القدس) و«الجبهة الشعبيّة الديموقراطيّة»، كلّ منهما بطريقتها.

صحيح أنّ الصهيونيّة، بوصفها قوميّة اليهود، تمرّدت على الدين إلاّ أنّها لم تقطع معه، فتوسّلت «أرض الميعاد» والصلاة في «المعبد» و»حائط المبكى» ومركزيّة «أورشليم»، وكان اختيارها الأصليّ لفلسطين، بدل أوغندا والأرجنتين وسواهما، قد جاء محكوماً برغبتها في جذب اليهود المؤمنين في روسيّا. وبقدر أكبر كانت الوطنيّة الفلسطينيّة إسلاميّة، وبوّأت في زعامتها مفتياً هو الحاج أمين الحسيني، وابن مفتٍ هو أحمد الشقيري، ومناضلاً «إخوانيّاً» هو ياسر عرفات، ثمّ الشيخ أحمد ياسين.

لكنّ أسلمة القضيّة الفلسطينيّة، كما بدأتها «حماس» ومن بعدها «الجهاد الإسلاميّ»، أتت تعيد إلى الدين صدارةً لم يعد يكفيها ما قاله القوميّون العرب والوطنيّون الفلسطينيّون عن الإسلام. فعندها بات قليلاً جدّاً أن يُلخّص دور الدين الحنيف إلى «أحد مقوّمات العروبة» أو إلى «راية جهاد» ضدّ الصهيونيّة وإسرائيل. وتدريجاً توسّعت الشهيّة الإيمانيّة، فإذا بنا حيال أسلمة تجاوزت طرح «حماس» و»الجهاد»، بالمعنى الذي تجاوزت فيه «داعش» و»النصرة» إسلامَ «الإخوان المسلمين». مع هذا تتراجع الأسلمة المستجدّة عمّا سعت إليه «حماس» و»الجهاد» لجهة الوصول إلى تمثيلٍ وتنظيمٍ يملكان طموحاً ما إلى الامتداد الوطنيّ.

إذاً، حال الفلسطينيّين الراهنة هي دينٌ أكثر وشعبٌ أقلّ، فيما مزاجهم الراهن خليطٌ من غضب وألم وصرخة «الله أكبر» وسكّين وسيّارة بلا كوابح.

والحال أنّ التديين الشلليّ هذا لا يفيد قضيّة، بل يضاعف الميل إلى ممارسة العنف اعتباطاً وعفويّاً، بعيداً من كلّ تصوّر لـ»الشعب»، ومن كلّ رابط تنظيميّ يحوّل تلك الأفعال إلى سياسة أو يستثمرها في السياسة.

وإسرائيل، بدورها، وقد انهار فيها التقليد العمّاليّ الذي يعود إليه تأسيس الدولة وقيادتها من دون شريك حتّى 1977، هي الأخرى تتحلّل من السياسة وترتدّ إلى عنف محض. فتضاؤل اكتراثها بآراء حلفائها الغربيّين وتوسّعها في تسليح المستوطنين ينمّان عن تأهّب العصابة لقضم الدولة وعن استنفار «اليهوديّة» ضدّ «الديموقرطيّة». وهذا ما بات يقوله منذ سنوات مؤيّدون لإسرائيل، بل صهاينة متحفّظون، يسعون إلى إنقاذ الدولة العبريّة غصباً عنها.

فهناك، بالتالي، منطق واحد يتحكّم الآن بضفّتي الصراع، مع فارق مهمّ هو أنّ الفلسطينيّين هم المقهورون والمعتدى عليهم فيما الإسرائيليّون هم المعتدون والقاهرون. بيد أنّ المقهور يفقد الكثير من شرعيّة مقاومته لقهره حين يهاجم المصلّين بالفؤوس. وهذا كي لا نضيف أنّ إسرائيل تستفيد من أيّة «انتفاضة ثالثة» بينما رايات «داعش» ترفرف في الجوار، وسكاكينها وفؤوسها تلمع في سماء المشرق. و»داعش» اليوم قد تغري الإسلامَ الفلسطينيّ بتقليدها في زمن ما بعد الاهتراء المزدوج لـ»فتح» و»حماس». وفي مناخ كهذا لا تحصل «انتفاضة» أصلاً، بل يحصل عنف كافٍ لإسرائيل كي تُلحق الفلسطينيّين بـ»داعش» مثلما ألحقت انتفاضتهم الثانية في 2000 بجريمة 11 أيلول في 2001.

فهذا التديّن، في آخر أزيائه، كفيل بأن يحمل الجميع في المنطقة إلى اللعب على الملعب نفسه وإلى تقاذف الكرة إيّاها.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين  إسرائيل لم يبق إلاّ هذا التديّن فلسطين  إسرائيل لم يبق إلاّ هذا التديّن



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab