لماذا الجيش للعراق

لماذا الجيش للعراق؟

لماذا الجيش للعراق؟

 العرب اليوم -

لماذا الجيش للعراق

حازم صاغية


مرّة أخرى يجيء حدث كالانهيار المريع للجيش العراقيّ، جيش الـ600 ألف باسل، ليحضّ على التفكير في أمر جيوشنا عموماً، وهذا الجيش على نحو خاصّ.
وقد كان نوري المالكي صريحاً حين دعا، هو الذي كره «الصحوات» السنّيّة وحاصرها، إلى «جيش رديف» تدلّ هويّة المتطوّعين فيه إلى شيعيّته. وعصارة الحكمة هنا أنّه حين يعجز جيش طائفيّ عن الانتصار لطائفته، يغدو المطلوب جيشاً أكثر طائفيّة ينجح في الانتصار لطائفته. فلأنّ مَن يُستَبدل رخيص يغدو الاستبدال سهلاً.
ومن لم يفهم، أتته دعوة مرجعيّة السيستاني إلى «حرب مقدّسة» لتنهي كلّ تمويه، لا في صدد الطبيعة السنّيّة – الشيعيّة للتنازع فحسب، بل أيضاً في ما خصّ الوظيفة الطائفيّة المناطة بالجيوش «الوطنيّة».
وعلى جاري العادة، ظهرت أصوات تعثر، هنا أيضاً، على دور لأميركا في المسألة لأنّها مَن درّب هذا الجيش. إلاّ أنّ أفعال القوّات المسلّحة في العراق، وهي مرّة سنّيّة ومرّة شيعيّة، كامنة في المجتمع العراقيّ قبل عقود على حرب أميركا في «بلاد الرافدين». ويبدو أنّ هذا «القانون» لم يتغيّر عمله مع تغيّر الجيش بعد صدّام، لأنّ وعاء الجيش ظلّ، في الحالتين، ينضح بماء المجتمع.
فما حدث في الموصل ليس الصفحة «المضيئة» الوحيدة في تاريخ مؤسّسة انتهت جامعةً بين الطائفيّة والعجز، بعدما جمعت، في عهد صدّام حسين، بين الطائفيّة والتجبّر.
فالجيش العراقيّ، كما نعلم جيّداً، أبكر الجيوش العربيّة في المحاولات الانقلابيّة، على ما يدلّ انقلاب بكر صدقي في 1936. وصدقي هذا لم يكن سوى منفّذ المقتلة التي نزلت، في 1933، بالأشوريّين، وبعد عامين بعشائر الفرات الأوسط الشيعيّة، ليركّز شرّه بعد ذاك على أكراد العراق تركيزاً توارثه الحكّام العسكريّون حاكماً عن حاكم.
وفي سجلّ ذاك الجيش أيضاً انقلاب رشيد عالي الكيلاني في 1941. والكيلاني، تذكيراً، هو الذي كان رئيس الحكومة التي كلّفت بكر صدقي ذبح الأشوريّين. وإذا صحّ أنّه لم يكن هو نفسه عسكريّاً، إلاّ أنّ حلفاء الكيلاني المباشرين، الذين نفّذوا انقلابه القوميّ العربيّ ذا الهوى الفاشيّ، ليسوا سوى ضبّاط «المربّع الذهبيّ» الشهير.
لقد شكّل عسكريّو الجيش العثمانيّ، ومن ثمّ العراقيّ، معظم الحكومات التي عرفها العهد الملكيّ. لكنّ ما هندسه هؤلاء كان من الهشاشة والتضارب بحيث انهار تماماً مع سقوط الملكيّة في تمّوز (يوليو) 1958. بعد ذلك تولّى ثلاثة عسكريّين رئاستي الحكومة (عبدالكريم قاسم) والجمهوريّة (عبدالسلام وعبدالرحمن عارف). وفي هذه الغضون عُسكرت الحياة العراقيّة، وكانت الحروب المتتابعة على أكراد الشمال أهمّ ذرائع العسكرة تلك. أمّا صدّام حسين الذي لم يأت من صفوف الجيش، فأكمل العسكرة التي بدأت قبله ودفع بها إلى ذروتها. وهو راح يزجّ القوّات المسلّحة في حروب متتالية، داخليّة وخارجيّة، في إيران والكويت وفي شمال العراق وجنوبه، من دون أن يلقى من ذاك الجيش الباسل أيّة نأمة اعتراض جدّيّة. وفي هذه الغضون لم يخلُ الأمر من وضاعة وانتهازيّة: ففي 1970 حين مرّر «جيشُ البعث» الجيشَ الأردنيّ ليضرب القوّات الفلسطينيّة، لم يُبد عسكريّ عراقيّ واحد استنكاره ذاك السلوك المتناقض مع التعاليم العقائديّة. لكنْ حين قدم الأميركيّون في 2003 ولّى عناصر الجيش الباسل هاربين في الصحراء، راسمين لوحة أكثر إبهاراً من تلك التي ارتسمت بنتيجة تحرير الكويت.
أمّا الاحتفاظ بالتحفة المسمّاة الجيش العراقيّ والإنفاق الباذخ عليها من أجل «تحرير فلسطين»، أو في الحدّ الأدنى «مقاتلة إسرائيل»، فمزحة أخرى سمجة ومكلفة لا تعادلها إلاّ مزحة الحفاظ على الجيش العربيّ السوريّ الباسل بدوره، حيث البسالة تستعرض نفسَها في ساحات المدن والبلدات السوريّة.
وهذه التجارب مجتمعة، من مقتلة الأشوريّين في 1933 إلى الانهيار اليوم أمام «داعش»، تقول إنّ الذين طالبوا بحلّ الجيش العراقيّ ذات مرّة... ربّما لم يكونوا مخطئين.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا الجيش للعراق لماذا الجيش للعراق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab